صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/18

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
– ۱٨ –

ويظهر لنا شأن اللذة والألم ظهوراً واضحاً عندما نتخيل الأرواح التي يعتقد وجودها المؤمنون بأكثر الاديان، فلما كانت هذه الأرواح عاطلة من الحواس والمشاعر فانها لا تبالي باللذة والألم ولا تعرف شيئاً من بواعث حركتنا، وما كان يقلقها من اكدار احيائها و شدائدهم لا يؤثر فيها، ولا تشعر لهذه العلة بحاجة إلى مناجاتهم، ومن هنا نقول إن وجود هذه الأرواح وهم لا أساس لهُ.

٣ – الرغبة نتيجة اللذة و الألم

اللذة والألم يورثان الرغبة، أي الرغبة في بلوغ اللذة واجتناب الألم، فالرغبة هي المحرك الأساسي للإرادة والباعثة على العمل.

والرغبة هي التي توحي الى الارادة التي تكون بدونها معدومة، وعلى نسبة الرغبة تكون الارادة قوية أو ضعيفة، ومع ذلك لا يجوز خلط الارادة بالرغبة كما فعل كثير من الفلاسفة کشوبنهاور وكوندياك، فإذا كانت الرغبة مصدر كل ما يراد فانه يرغب في أمور كثيرة لا تراد، فالارادة تتضمن التأمل والقصد والتنفيذ أي تستلزم أحوالاً شعورية لا يُرى مثلها في الرغبة.

الرغبة هي مقياس القيم، وهذا المقياس يختلف باختلاف الأزمنة والأم، فثل الأمة الأعلى هو عنوان رغبتها، إذ الرغبة باستيلائها على قوة الادراك في الانسان تحول طرز تصوره و ارائه ومعتقداته، ولقد أصاب الفيلسوف (سبينوزا ) حيث قال : « نرى الاشياء مليحة برغبتنا لا ببصيرتنا. »

ولما لم تكن قيمة الاشياء بنفسها فإن الرغبة هي التي تمنحها قيمة، وتكون هذه القيمة على نسبة ما في الرغبة من شدة، واكبر دليل على ذلك تحول قيمة الآثار الفنية، وعلى رغم كون الرغبة منبع كل جهد وحاكمة الانسان المطلقة وموجدة مثل الأعلى فاته لا تمثال لها في المعايدة القديمة، والمصلح الكبير ( بوذا ) وحده هو الذي أدرك أن الرغبة في المهيمنة على الأشياء وأنها مصدر الحركة في الناس، وقد حاول التحرير البشر من بؤسها وسوقه إلى راحة سرمدية أن يقضي عليها، ومع خضوع ملايين من الناس لشريعته فانه لم يقدر على خضد شوكتها.