صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/20

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٢٠–

في شأنها كثيراً ، فلقد جلبت نظر جميع الفلاسفة وصارت تُعتبر حكمة قومية . قال ( باسكال ):

« ماذا تكون مبادئنا الفطرية إذا لم تصدر عن العادة ؟ فالعادة في طبيعة ثانية تقوض أركان الأولى ، ومنها تأخذ اشد أدلتنا قوة واكثرها فيضاً، وهي التي تعين وجهة النفس دون أن يفكر الانسان في ذلك ، وبها يصبح الإنسان نصرانيا أو وثنياً أو تركياً أو محترفاً أو جندياً الخ، ثم بها تستعين التنفس وقتما تعثر على مكان الحقيقة .»

ولو أنَّ قدرة خارقة جعلت الانسان أو الشعب يهرب من تأثير العادة لاصاب الفالج حياته فجأةً لأن المادة هي التي تملى علينا كل يوم ما يجب أن نقوله ونفعله وتفكر فيه .

٦ – اعتبار اللذة والالم حقيقتين نفسيتين أساسيتين.

حاول الفلاسفة أن يزعزعوا ما في الانسان من يقين وأن يثبتوا أنه لا يعلم من العالم غير الظواهر ، غير أن هنالك حقيقتين ليس باستطاعة أحد أن ينقضهما وهما اللذة والالم ، فمنهما تشتق حركة البشر ونشاطه واليهما يستند ما تعد به الشرائع الدينية والدنيوية وتتوعد به من ثواب وعقاب وجنة وجحيم .

ويظهر الالم واللذة في الانسان منذ ما تدب الحياة فيه ، فبقوة الحس لا بالفكر يشعر الإنسان بوجوده ولو قال ( ديكارت ) : « أشعر ولذلك فانی موجود » بدلا من قوله « افكر ولذلك فانی موجود» لكان قوله أقرب إلى الحقيقة ، لان دستوره إذا تبدل على هذا الوجه يُطبق على جميع الناس لا على فريق وحده .

ومن هاتين الحقيقتين يمكن استنباط فلسفة حياتية عملية ، وبهما يجاب جواباً صائباً عن السؤال الذي جاء مكرراً في سفر سليمان ، وهو : لماذا يشتغل الانسان ويسعی كثيراً مع أن الموت ينتظره والأرض ستخمد يوماً ما ؟

الانسان يسعى لأنه يجهل المستقبل ولأن الطبيعة في الحال ترغمه على البحث عن اللذة والفرار من الألم ، فالفاعل الذي يضنيه العمل والراهبة التي لا تجزع من القروح والمبشر الذي ينكل به الهمج والعالم الذي يكدح في حل مسئلة والمكروب الصغير