صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/23

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٢٣–

٢ – تقلبات الحس في الفرد وشأنها في الحياة الاجتماعية

ظهر لنا مما تقدم أن تقلبات الحس محدودة زماناً واتساعاً ، والاختبار يثبت أن الحس يتراوح بين هذه الحدود ، ومما يغير الحس على الخصوص تغییراً متتابعاً هو المرض والصحة والبيئة والحوادث ، وما أشبه الحس في تقلبه بالبحيرة التي يجعل النسيم وجهها ذا أخاديد وغضون

وتوضح لنا تلك التقلبات المستمرة لماذا تتحول أذواقنا وأفكارنا وآراؤنا على الدوام ، والتقلبات المذكورة تكون أشد من ذي قبل عندما تأخذ العادات والمعتقدات الموروثة التي تحدد تقلبات الحس في الأفول ، فعدم الثبات عند ذلك يصبح قاعدة

ومن علل الآراء ما يحدد تقلبات الحس أيضاً ، ونعد من هذه العلل العدوی النفسية التي تحدث عادات موقتة قادرة على منح تنقلنا شيئاً من الثبات ، ومتى أصبح حس المجتمع على شيء من الرسوخ المؤقت فان آثاراً مختلفة تؤلف معبرة عنه وتعد هذه الآثار مرآة الزمن .

وبعد أن يصفو الحس بفعل بعض المحرضات المكررة فانه يدنو من الذوق الخالص قليلاً ، وكلما صفا الحس ينثلم حده ، فأنغام ( لوللى) التي كانت تسحر قلوب آبائنا تورث فينا ضجراً وملالاً ، وأكثر الروايات الملَحَّنة التي نالت منذ خمسين سنة حظوة عند الجمهور أصبح لا يلائم ذوقنا ، وسبب ذلك كون مسئلة توافق الأصوات حلت بالتدريج مكان مسئلة النغم ، فيقتضي لإطراب الحواس التي أعياها التعب في الوقت الحاضر إيجاد شيء من الشذوذ في الألحان كان يعَدُّ خطأ عند مقترعى الأنغام في الماضي .

تدلنا آثار أحد الأزمنة على شعور ذلك الزمان وتقلباته ، ولكون هذه الآثار عنواناً صادقاً للشعور الذي ساد الزمان المذكور فإنه بسمل توقيتها ، ولمثل هذا السبب تكون الآثار الفنية أفيد من كتب التاريخ، ولما كان المؤرخ ينظر الى الماضي من خلال شعورهِ الشخصي الحاضر فان شروحه تكون بحكم الطبيعة غير سديدة ، والقصص والروايات وألواح التصوير والمباني هي على خلاف كتب التاريخ مصدر معرفة صحيح موجب للاعتبار والالتفات .