صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/24

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٢٤–

ولا ينتقل الخس زمانًا و مكانًا ، فلا شك في أن البناء العظيم الذي يقوم مستعينًا بعناصر تخص قرونًا قديمة أو شعوبًا مختلفة يمس شعورنا لاشتقاقه من مشاعر تناقض مشاعرنا ، ولو تغير شعورنا بتأثير تطور النوع لأصبح ما نعجب له الآن من آثار الماضي — کالبارتنون والكنائس الغوطية والقصائد الغراء والتصاویر والنقوش الشهيرة — غير جدير بأن نتأمًّل فيه ، وليس من الضروري أن يكون تطور الشعوب مدیداً لتستخف با تعجب به الآن ، فيكفي لذلك أن تستمر التربية على انتحائها الحاضر نحو الاختصاص وأن يدوم اقتراب الجموع من القبض على زمام الأمور اقتراباً سريعاً ، لأن آثار الفن في نظر الجموع كناية عن نفائس وكماليات تستحق الاهانة ، فعندما استحوذ نظام ( الكومون ) الذي هو عنوان روح الجماعات الصادق لم يتأخر رجاله عن حرق أجمل مبانی بار بس كدائرة البلدية وقصور التويلری ، والمصادفة هي التي أنقذت قصر الأوفر وتحفه من يد التخريب

ومهما يكن مستقبل آثار الماضي فانها لا تزال ماثلة للعيان وهي التي ترشدنا إلى تاريخ الحس والشعور ، فلولا هذه العناصر المستنبطة من الادب والفن لما اطلعنا على شعور الأزمنة ولجهلناه كما نجهل سكان البرجيس ، وما في الازمنة من معقول نقف عليه في كتب العلم لخلوها من سمات مؤلفيها العاطفية ، فإذا كانت الروايات تتم على تاريخها بنفسها مثلاً فان رسائل الهندسة ليست كذلك ، فقد يمكن أحد الرياضيين المتأخرين أن ينتحل رسالة ( أوقلیدس ) الهندسية القديمة التي لا تزال تُدَرَّس ، لأن ( أوقليدس ) لما وضع رسالته استعان بالمعقولات التي لا صلة بينها وبين الحس والمشاعر أبداً ، فالعقل يضع حقائق عامة خالدة والحس يضع حقائق خاصة زائلة

۳ – ما ينشأ عن تقلبات الحس في المجموع من تبدل في المثل الأعلى والمعتقد

غاية الحركة في الانسان هي البحث عن السعادة أي طاب اللذة وطرد الألم ، على هذا المبدإ اتفق الناس أجمعون ، وانما اختلفوا في معنى السعادة ووسائل نيلها ، وللسعادة أشكال متنوعة مع اتفاق المقصود ، فأحلام الحب والغني والرفعة والايمان إن هي إلا أوهام مسيطرة تلقيها الطبيعة في قلوبنا لتسوقنا الى أقصى الغابات ، ومتى يتغير