صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/26

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٢٦–

کالتأمل والتفكير الله. والحوادث العقلية هي أحدثها طيورا في تاريخ البشر، والحياة المعنوية والحياة العاطفية والحياة المقلية يؤثر بعضها في البعض الآخر تأثير تالا على رغم كونها مختلفة منفصلة، ولهذه العلة يستحيل إدراك الأخيرة من غير أن نبحث عن الأولى، فاند أخطأ علماء النفس بتركهم أمر البحث في الحوادث الحيوية إلى علماء وظائف الأعضاء وحدهم.

وسوف تثبت شأن الحوادث الحيوية عندما نبحث في جزء من هذا الكتاب عن الحوادث التي يهيمن المنطق الحيوي عليها، وأما في هذا الفصل فاننا لا نبحث الا عن المرحلة الأولى للحياة النفسية أي عن حركة النفس الللاشاعرة، ولهذه المرحلة أهمية عظيمة، إذ نرى جذور أفكارنا وسيرنا سائخةً فيها.

٢ – النفسية اللاشاعرة ومصادر الالهام

المشاعر لا تنفذ دائرة الشعور إلا بعد أن تنضج في منطقة اللاشعور نضجاً آلياً، وبما أن الحوادث العقلية الشعورية هي أسهل إدراكا فان علم النفس لم يطلع على غيرها في بدء أمره، إلا أن العلم الحديث دل– مستعيناً بطرق صحيحة غير مباشرة– على أن الحوادث اللاشعورية تمثل في الحياة دوراً هو في الغالب أهم من الدور الذي تمثله الحوادث العقلية، فيمكننا أن نقیس الحياة العقلية بالجزائر الصغيرة التي هي شماريخ جبال عظيمة مستترة بالماء، وهذه الجبال هي اللاشعور.

معلم اللاشعور موروث عن الآباء، وما قوته الا لكونه يمثل ميراث سلسلة طويلة من القرون التي زاد كل منها فيه شيئاً، وقد أصبح شأنه الذي أغفل في الماضي من الأهمية بحيث أن بعض الفلاسفة – وعلى الخصوص ويليام جيمس و برکسون – أخذوا يفسرون أكثر الحوادث النفسية به، وبتأثير هؤلاء الفلاسفة ظهرت في العالم حركة قوية ضد المذهب العقلى، وقد غالى انصار المذهب الجديد في التشيع فيه فطفقوا ينسون أن المنطق العقلى وحده يأتي بمبتكرات العلم والصناعة التي هي قوام حضارتنا.

ولم تنشأ المباحث التي منحت دائرة اللاشعور تلك الأهمية عن التأمل بل عن