صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/27

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٢٧–

تجارب أتى بها لغاية أخرى هي ليست ایجاد أدلة فلسفية، وإني أذكر من تلك التجارب مباحث التنويم المغنطيسي وانحلال الذات والسير في المنام واستخدام الأرواح الخ، غير أن علة المعلولات لا تزال مجهولة، ففي علم النفس اللاشعوری کما في علم النفس الشعوری يجب الاكتفاء في الغالب بالتحقيق والمشاهدة .

والذي يسيرنا في أكثر حوادث الحياة اليومية هو اللاشعور، فلا تلبث ممارسة احدى الصنائع أن تصبح سهلة بعد أن يعبر اللاشعور مديراً لها، وما الأخلاق التويمة سوى لاشعور مثقف مهذب .

و يمكننا أن نقول إن اللاشعور هو عبارة عن مخزن مكتظ بالاحوال العاطفية والذهنية قد يتضعضع ولكنه لا فنى أبداً، ولو سلمنا بما نترصده من أعراض بعض الأمراض لقلنا أن العناصر التي تدخل في عالم اللاشعور تبقى فيه زمناً طويلا، بهذه الصورة وحدها نفسر بعض الحوادث التي نشاهدها في الوسطاء أو المرضى الذين يتكلمون لغات لم يتعلموها ولكنهم سمعوها في ريعان شبابهم .

والالهام الذي هو أصل الدهاء والعبقرية يصدر عن اللاشعور الموروث وعن التربية الصحيحة، نعم يلوح لنا أن إلمامات القائد الذي يدوخ البلاد ويتحكم في القدر، والمتفنن الماهر الذي يبرز ما في الأشياء من رونق وجمال، والعالم الشهير الذي يتجلى الاسرار هي أمور غريزية، ولكن اللاشعور الذي صدرت عنه هو الذي أنضجها مقداراً فمقداراً، والمشاعر وان أمكن أن تظهر بتأثر بعض العوامل العقلية الا أنها تتكون في عالم اللاشعور على كل حال، وقد ينتهي نضجها التدريجي بأن تظهر للعيان فجأة كالانقلابات الدينية والسياسية .

والمشاعر التي نضجت في عالم اللاشعور لا تنفذ دائرة الشعور الا بتأثير أحد المحرضات، وهذا هو السر في جهلنا أحياناً مشاعرنا الحقيقية نحو ما يحيط بنا من موجودات، وما أكثر المرات التي تكون فيها مشاعرنا وما ينشأ عنها من آراء ومعتقدات خلاف مانظن، وفي بعض الاوقات يكون الحب أو الحقد مستولياً على نفوسنا من غير أن تعلم ذلك، وانما يبدو لنا ذلك عندما نرغم على العمل، فالعمل