صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/28

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٢٨–

هو بالحقيقة مقياس المشاعر الذي لا ريب فيه، و به يعرف الانسان نفسه وتظل الآراء بدونه الفاظاً فارغة لا معنى لها.

۲ – اشكال اللاشعور : اللاشعور الذهني واللاشعور العاطفي

يمكننا على ما أظن تفريق ثلاثة أنواع مختلفة في عالم اللاشعور، فالنوع الأول هو اللاشعور العضوي المسيطر على جميع أمور الحياة كالتنفس والدورة الدمويّة الخ، فلما استقر أمره بتعاقب الوراثة فانه يقوم بوظائفه قياماً داعياً للعجب دون أن نعلم ذلك، وهو يسير الحياة فيقودنا من الطفولة إلى الهرم ومنه الى الموت من غير أن تقدر على إدراك عمله .

وفوق اللاشعور العضوي يوجد نوع آخر يقال له اللاشعور العاطفي، فتكوين هذا اللاشعور تم بعد تكوين الأول، ولذلك فانه أقل رسوخاً منه وإن كان على جانب عظيم من الرسوخ، من أجل هذا الرسوخ الكبير ترانا لا تؤثر في المشاعر الا قليلا مع أننا نقدر على تبديل المواضيع التي نؤثر فيها بمشاعرنا.

وعلى رأس تلك السلسلة يوجد نوع يسمى اللاشعور الذهني، فلما كان ظهوره على مسرح الكون حديثاً فان جذور الوراثة ليست سائخة فيه كما يجب، ومع أن أمر اللاشعور العضوي واللاشعور العاطفي قد أصبح من الثبات بحيث نشأت عنه غرائز تنتقل بالارث نرى أن اللاشعور الذهني لا يزال يبدو على شكل أهواء وأغراض، والتربية هي التي تتدرج به الى الكمال في كل جيل.

إن للتربية سلطاناً كبيراً على اللاشعور الذهني لكونه أقل رسوخاً من ذينك النوعين، وليس لهذا اللاشعور سوى تأثير ضئيل في المشاعر التي هي قوام الخلق، وأما اللاشعور العاطفي فانه يكون في الغالب سیداً مهیمناً غير ميال بالمعقولات، وهذا سبب كون كثير من الرجال الذين يكونون على جانب عظيم من الفطنة والصواب في مؤلفاتهم وخطبهم يصبحون في سيرهم آلات متحركة يقولون ما لا يودون أن يقولوه ويفعلون ما لا يريدون أن يفعلوه.