صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/30

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٣٠–

النفسية تقسيماً أساسياً هو أصل كل تقسيم، فهذه العناصر النفسية قسمان : العناصر العاطفة و العناصر العاقلة. و بهذا يسهل فهم فصول كثيرة نبحث فيها عن أنواع المنطق الختامية.

تمييز المشاعر عن العقل أمر وقع حديثاً في تاريخ البشر، فقد كان أجدادنا الاقدمون بحسون و يتأثرون كثيراً ولكنهم كانوا لا يعقلون الا قليلاً، غير أن الإنسان لما بلغ شأواً بعيداً في تطوره أخذ يتفلسف ويتحذق فظهر الفرق حينئذ بين المشاعر والعقل، وأما العهد الذي ثبت فيه كون المشاعر تخضع لأحكام منطق خاص يختلف عن المنطق العقلى اختلافاً كبيراً فقريب الى الغاية.

وجهل هذا التفريق هو أحد أسباب الخطإِ في ظنوننا وأفكارنا، فقد أرادت كتائب كثيرة من المشتغلیں بالسياسة أن يقيموا بالعقل ما لا يتم أمره الا بالمشاعر، وقد رآی کثر المؤرخين الذين قل اطلاعهم على دقائق الأمور أن يشرحوا بالمنطق العقلى حوادث لم يملها العقل قط، وهذا هو السبب في أن تكوين اكثر العوامل المهمة في التاريخ – کنشوء المعتقدات وانتشارها – ظل معروفاً قليلاً.

وهنالك فلاسفة عظام خلطوا مخطئين المنطق العاطفي بالمنطق العقلي، فقد حاول ( كانت ) تشييد دعائم علم الأخلاق على أساس العقل مع أنه لا شأن للعقل في أكثر منابع الأخلاق، ولا يزال اکثر علماء النفس يتمادون في الضلال المذكور، وقد أصاب ( ريبو) في إشارته إلى ذلك حيث قال : « يريد علماء النفس بأوهامهم العقلية المتأصلة أن ينسبوا كل شيء الى العقل وأن يشرحوا به كل أمر جاهلين أن الحياة النباتية جاءت قبل الحياة الحيوانية وأن هند تستند الى تلك وأن الحياة العاطفة أتت قبل الحياة العاقلة وأن هذه تستند الى تلك.»

ومن الضروري أن أطنب في البحث عن الفرق بين العاطفي والمعقول لأبلغ الغاية التي توخيتها في هذا الكتاب، إذ الغفلة عنه تقضي علينا بأن نجهل تكوين الآراء والمستندات، ومع ذلك يصعب أن نفرق بين العاطفي والمعقول تفريقاً دقيقاً لأن التقسيمات اللازمة في مباحث العلم تُفْضِى الى ما تجهله الطبيعة من قطع في سلسلة الأشياء، الا أن العلم لا يتكون إذا لم نعلم كيف نفصل ما اتصل.