صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/31

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٣١–

إن انفصال العاطفي عن المعقول وقع في دور بلغ فيه الانسان درجة راقية من درجات التطور، وظن أن المعقول نشأ عن العاطفي لكون العاطفي أقدم منه ثم ان الحيوان يكون في الغالب ذا مشاعر نامية مثل مشاعرنا، فالانسان لا يمتاز من الحيوان الا بتقدم عقله.

ومن صفات المشاعر كونها معلومة من قبل صاحبها مع انه يصعب تعر يفها، واذا عُبِّر عنها فبعبارات عقلية، فبالعقل نعرف و بالمشاعر نشعر، ولا يمكن الاعراب عن المعرفة والشعور بلسان واحد، نعم قد استطاع العقل أن يجد له لساناً متقاً محكماً ولكن لسان المشاعر لا يزال مبهماً غير صريح.

ومع تأثير الذات العاطفة والذات العاقلة الواحدة في الأخرى فان لهما كيانين مختلفين، لأن الذات العاطفة تتطور على رغم أنفنا وكثيراً ما تتطور ضدنا، وهذا سر ما في الحياة من تناقض، فاذا أمكن أن نزجر أحياناً مشاعرنا فلا تقدر على ايجادها أو محوها.

اذاً ليس من الصواب أن نؤنب المرء إذا تغير، ذلك لأن هذا التأنيب ينم على المبدأ الباطل القائل إن العقل يستطيع أن يهيمن على المشاعر، فمتى ينقلب الحب الى ضده فان العقل يلاحظ هذا الانقلاب فقط دون أن يكون علته، ولا علاقة للأسباب التي يتخيلها العقل عند ما يفسر مثل ذلك الانقلاب بالاسباب الأصلية التي نجهلها، وفي الغالب لا نعرف مشاعرنا الحقيقية اكثر من أن نعرف العوامل الموجبة لها. قال ریو : « كثيراً ما يتصور المرء أنه يشعر بحبه لآخر حباً جماً، فالغياب أو ضرورة انقطاع أخرى قد يثبت لنا أن هذا الحب سريع العطب كما أنهُ قد يثبت لنا صدق حب لا يكون بادياً بتأثير العادة. »

وعلى ما تقدم يتعذر إدراك سير الذات العاطفة عن طريق الذات العالقة كما لاحظ المؤلف المشار إليه أيضاً، ومع ما بين الحياة العاطفة والحياة العاقلة من تباین واختلاق فاننا لا نبالى في سلوكنا بالفرق بين المشاعر والذكاء، يؤيد هذا القول طرق تربيتنا اللاتينية. من أباطيل جامعاتنا الخطرة هو اعتقادها أن إنماء الذكاء بالتعليم يؤدي الى نمو المشاعر التي هي أساس الخلق، وهي في ذلك على خلاف