صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/32

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٣٢–

التربية الانكليزية التي أدركت منذ زمن طويل أن تهذیب الخلق لا يتم بمزاولة الكتب.

وبما أن الذات العاطفة تختلف عن الذات العاقلة فاننا لا ندهش إذا سمعنا أن رجلاً ذا ذكاء عالي قد يكون نذلاً في أخلاقه.1 لا ريب في أن الذكاء والتعليم – باثباتهما أن عدم الاستقامة يضرّ الانسان اكثر ممّا يفيده – يجعلاننا لا نصادف سوى قليل من المتعلمين يتخذون اللصوصية مهنة، ولكن اذا وجدت في المتعلم روح الص فانه يتمسك بها على رغم ما ناله من الشهادات العلمية وبها يستعين في أعماله غير الشريفة.

والفرق بين الذات العاطفة والذات العاقلة الذي يشاهد في اكثر الأفراد شاهد أيضاً في بعض الشعوب، فقد أشارت ( مدام دوستائیل ) الى انه لا ارتباط بين المشاعر والذكاء في الالمان، و يشاهد هذا الفرق في الجماعات الموقتة على وجه اكثر وضوحاً، لأن العناصر التي تملى على الجموع أمر حركتها هي المشاعر لا الذكاء وقد بينت علل ذلك في كتاب آخر، فلنتذكر أن الذكاء الذي يختلف باختلاف الاشخاص ولا ينتقل كالمشاعر بالعدوى النفسية لا يكون ذا شكل جموعی أصلاً، وأما الأشخاص الذين ينتسبون إلى عرق وأحد فهم ذوو مشاعر متجانسة لا تلبث أن تتحد عندما يصبحون جماعة

والعنصر الأساسي في الانسان هو الذات العاطفة، فلما تم نضج هذه الذات

ببطء على مر الأجيال فانها تتطور في الأفراد والشعوب بسرعة أقل من السرعة التي


  1. نذكر من بين الأمثلة الكثيرة التي حكى عنها التاريخ مثال الوزير ( بیکن ) البارز : لم يكن في زمن هذا الوزير من يدانيه ذكاء، ولكن لم يكن أيضاً من أبدی مثله دناءة، فقد كانت باكورة أعماله في الحياة أن خان (الكونت دیسکسر) الذي أحسن اليه اكثر من كل انسان فأوجب قطع رأسه طمعاً في نيل منصب عند الملكة (اليصابات )، و بد أن جلس الملك جاك الأول على العرش نال منصب نائب عام ثم منصب وزير بناء على رجاء الدوك دو بکنغام الذي خانه أيضاً، وفي أيام وزارِته بلغت جرأته على سرقة بیت المال والناس مبلغاً جعل القضاء يتتبعه، وقد حاول عبثاً أن يستعطف قلب القضاة باعترافه كتابة بذنوبه، اذ حكموا عليه بالسجن مؤبداً.