صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/38

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٣٨–

ما ينصبه العقل من الموانع، ولا تلبث السلطة في المجتمعات الزاهرة النضرة التي ضعفت الارادة فيها أن تنتهي في الغالب الى أولى الجرأة من محدودی العقل والذكاء، وهذا ما يجعلني أشاطر مختاراً رأى ( فاكيه) القائل متى يسود السلم أوروبا فان «الشعب الذي يبقى مسلحاً يفتتحها» وسيستعبد هذا الشعب شعوب أوروبا و یرغم المسالمين أصحاب الذكاء العاطلين من النشاط والعزم على العمل الذي يستفيد منه

٢ – أخلاق الشعب الجامعة

لكل شعب اخلاق جامعة مشتركة بين أكثر أفراده، فتلك الأخلاق تحدث في الشعب آراء متشابهة في بضعة مواضيع جوهرية، ولا حاجة لاخلاق الشعب الأساسية أن تكون عديدة، إذ الاستقرار في أخلاق الشعب لا عددها هو الذي يهيمن على مصيره، فلو أخذنا الانكليز مثلاً لرأينا أن العوامل التي تقود تاريخهم هي من القلة بحيث يمكن تلخيصها في بضعة أسطر واليكها: عبادة المجهود الثابت المستمر الذي يمنع المرء من التقهقر أمام أي مانع والذي يجعله يعتبر كل كارثة أمراً لا يُرْتَق فتقه، احترام العادات وكلِّ ما أثبته الزمان احتراماً دیناً، الحاجة الى العمل وازدراء تأملات الفكر العقيمة، احتقار الضعف، حب الواجب، اعتبار ردع الرجل نفسه بنفسه صفة أصلية يجب على التربية أن تعتنى بها اعتناءً خاصاً.

وهنالك نقائص خلقية لا تطاق في الأفراد ولكنها تصبح فضائل عندما تخص المجتمع كالفخر مثلاً، فالفخر الشعبي يحرض الأمم على الحركة والعمل، وبفضله كان الجندي الروماني يجد ثواباً كافياً بانتسابه إلى أمة دوخت العالم: وما الشجاعة الخارقة التي أبداها اليابانيون في حربهم الأخيرة مع الروس الا صادرة عن مثل ذلك الفخر، ثم إن الفخر أساس الرقي، فمتى شعرت الأمة بأفضليتها على الأمم فانها تبذل جهدها للمحافظة على تلك الأفضلية.

بالخلق لا بالذكاء تفترق الشعوب وتتحاب وتتباغض، وما بينها من تباین فبالأخلاق لا بالذكاء الذي هو من نوع واحد عند جميعها، ولما كان تأثير الشيء الواحد في الشعوب يختلف باختلافها فان سير هذه الشعوب يتباين بحكم الطبيعة حتى