صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/39

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٣٩–

في الأحوال التي يظهر أنها واحدة، وسواء أنظرنا الى الشعوب أم نظرنا إلى الأفراد فان الاختلاف بين البشر يكون باختلاف الاخلاق اكثر منه بالمنافع والذكاء.

٣ – تطور عناصر الخلق

بما أن لحمة الخلق تتألف مشاعر من مشاعر أساسية فإن تطور المشاعر المذكورة يقع ببطء على مر القرون كما يؤيد ذلك ثبات الأخلاق القومية، فالعناصر النفسية التي هي مصدر هذه المشاعر راسخة رسوخ العناصر التشريحية، ولكن يوجد حول الأخلاق الأصلية أخلاق ثانوية تستطيع أن تتغير حسب الزمان والبيئة.

والذي يتبدل على الخصوص هو الموضوع الذي تطبق عليه المشاعر، فما حب الأسرة ثم القبيلة ثم المدينة ثم الوطن الا تطبيق مشاعر واحدة على مجموع مختلفة، ونعد المذهب الأممى والمذهب السلمى عبارة عن انتشار جديد لتلك المشاعر، كانت الحمية الوطنية قبل قرن مجهولة في ألمانيا على وجه التقريب، فقد كانت المانيا منقسمة الى دويلات متنافسة، وإذا عُدَّ حب الاتحاد بعدئذ في المانيا فضيلة فان هذه الفضيلة ليست سوى ذيوع مشاعر قديمة بين طبقات جديدة.

الأحوال العاطفية هي من الثبات بحيث يتطلب تطبيقها على مواضيع جديدة جهوداً عظيمة، فقد أوجب نيل شيء من التسامح قتل ألوف من الشهداء وسيل الدماء كالنهر في حومة الوغى كما قال الموسيو ( لاقيس ).

ومن الأمور الخطرة في حياة الشعب هو أن يسعى هذا الشعب مستعيناً بالعقل في إيجاد مشاعر مناقضة للمشاعر التي رسخت فيه بفعل الطبيعة، فها نحن نعاني نتائج ثورتنا الكبرى حتى الآن، إذ أفضت هذه الثورة إلى انتشار الاشتراكية التي تزعم أن الممكنات تغيير مجرى الأشياء الطبيعي وتجديد روح الأمم.

ولا يعترض على المبدإ القائل بثبات المشاعر كوننا نشاهد في بعض الأحيان تقلبات فجائية في شخصية الانسان کانقلاب الاسراف الى بخل والحب الى حقد والتعصب الدينى الى تعصب للالحاد الخ، فهذه التقلبات لم تكن الا تطبيقاُ للمشاعر الواحدة على مواضيع مختلفة.