صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/40

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٤٠–

ويوجد عوامل متنوعة - كمقتضيات الاقتصاد مثلاً - قادرة على نقل مكان مشاعرنا دون أن تبدل شيئا فيها، ونذكر من بين مقتضيات الاقتصاد كون انتشار الملكية بين كثير من الناس يؤدى الى تناقص عدد المواليد، فلو أصبح جميع أبناء البلاد مُلَّاكاً لقل عدد السكان اكثر من ذي قبل على ما يحتمل.

لا تبدل المشاعر التي هي أساس الخلق وجهتها من غير أن تنقلب حياة المجتمع رأساً على عقب، فما مصدر الحروب الدينية والحروب الصليبية والثورات إلا ذلك التبدل، والذي يجعلنا في الوقت الحاضر نرى جو المستقبل مكفهراً هو أن مشاعر طبقات الشعب اخذت تحول وجهتها، فقد أصبح كل واحد - بفعل أوهام المذهب الاشتراكي - ساخطاً على نصيبه معتقداً أنه يستحق نصيباً آخر اطيب منه، وقد صار العامل يظن أن الطبقات القائدة مستغلة، ولذا صار يحلم بالاستيلاء على أموالها عنوة.



الفصل السادس

انحلال الخلق و تقلبات الذات


١ – التوازن بين عناصر الخلق

بينَّا أن عناصر الخلق راسخة رسوخ العناصر التشريحية، والآن نقول إنه قد يصيب الأولى ما يصيب الثانية من أمراض مختلفة حتى الانحلال التام، فلهذه الأحوال تأثير عظيم في تكوين الآراء والمعتقدات، ويظل إدراك بعض الحوادث التاريخية ممتنعاً إذا لم نقف على ما يقع في الخلق من تبدل عرضي.

وسوف نرى في فصل آخر أن العوامل التي تصدر عنها آراؤنا ومعتقداتنا وأفعالنا هي مثل العيارات الموضوعة على كفتى الميزان، فالكفة التي تثقل عباراتها تهبط، غير أن الأمور لا تجرى تماماً على هذا الوجه البسيط، فقد تتزيف العوامل التي اتخذنا العيارات رمزاً لها بتأثير بعض المعكرات، حينئذ يتغير الإحساس و ينتقل مقياس القيم ويتحول اتجاه الحياة فتتجدد الذات.