صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/43

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٤٣–


شيء من الثبات، و بفضل هذه الزمرة أيضاً نرى لأرباب الطبائع الهينة وجهة وقراراً في الحياة.

ويحتوى الناس بانتمائهم الى احدى الجماعات على قدرة لا يحلم بها الرجل وهو منفرد أبداً، فلم تكن مذابح الثورة الفرنسوية الهائلة صادرة عن أعمال فردية، وإنما أتي بها مقترفوها - من جيروندين ودانطونيين وهيبريین وروبسبيريين -وهم على شكل جماعات تطاحنت تطاحناً تجلى فيه ما هو خاص بالجماعات من تعصب أعمی ووحشية شديدة.

٤ – صعوبة التنبؤ بما ينشأ عن الخلق من سير وحركة.

لا يدعينَّ أحدٌ أنه يعرف ذاتًا غير متقلية اولا تؤثر فيها الأحوال، وانما الذي يمكنه أن يقوله هو أن الأحوال إذا لم تتغير فان سير الشخص الذي اختبره لا يتغير أبداً، لا ريب في أن رئيس القلم الذي أنشأ تقارير صادقة في عشرين سنة يستمر على إنشاء مثلها بصدقه المعهود، ولكن يجدر بنا أن لا نؤكد هذا القول كثيراً، إذ قد تحدث أحوال جديدة — كحرص شديد يستولى على بصيرته أو خطر يهدد شرف أهله أو وطنه — فيصبح مجرماَ أو بطلاً.

وتشاهد تقلبات الذات في منطقة المشاعر وحدها على وجه التقريب، وأما في منطقة الذكاء والعقل فالتقلب ضعيف إلى الغاية. فالسخيف يبقى سخيفاً على الدوام، وتقلبات الذات التي تمنعنا من معرفة أمثالنا معرفة حقيقية أساسية تمنعنا من معرفة أنفسنا أيضاً، ولذلك كانت حكمة قدماء الفلاسفة القائلة «اعرف نفسك بنفسك» نصيحة يتعذر تحقيقها، فالذات الظاهرة تكون عادةً ذاتاً خادعة كاذبة، ليس لان المرء يعزو إلى نفسه كثيراً من الصفات الحسنة دون أن يعترف بأية نقيصة فيه فقط بل لان الذات وان اشتملت على قسط قليل من العناصر الشاعرة فان اكثرها يتألف من عناصر لاشعورية يمتنع اختبارها.

والطريقة التي يكتشف بها الرجل أمر نفسه في الفعل والحركة، فهو لا يعرف نفسه الا بعد ان يختبر سيره في أحوال معينة، والقول بأننا نعلم مقدماً كيف