صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/50

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٥٠–

أن يحلل بذكائه وسعة عقله ما تقدر خليات أحقر الموجودات على تحليله كآلة لسموه على باقي البشر.»

تؤيد أفعال الحياة الجثمانية أنها مضطرة إلى التحول حيثما وجدت، فإذا دخل في تركيب الموجود شيء غير نافع فإنه لا يلبث أن يُزل أو يُنْبَذ، وأما الشيء المفيد فإنه يرسل إلى الأعضاء فيتحول هنالك تحولًا عجيبًا، وتشتبك هذه الأفعال التي لا يحصيها عدٌّ من غير أن تتضرر؛ ذلك لأنها تسير سيرًا هو غاية في الإتقان والإحكام، ومتى تقف حركة المنطق الدقيق الذي يدير المراكز العصبية فإن الموت يقع لا محالة.

وعليه يجوز تسمية تلك المراكز العصبية «مراكز الإدراك الجثماني»، فهي تسيِّر الحياة وتحرسها لإيجادها حسب الأحوال عناصر دفاع عن الحياة مختلفة، وهي كما قال الدكتور (بونيه): «تعلم أحسن من أي عالم من علماء وظائف الأعضاء، أو من أي طبيب ماذا يلائم العضو الضعيف من دواء، وليس شأن العلم الراقي سوى تحريكها عند فتورها.»

ومتى تتطور الخلية على شكل معين، أو متى يعتاض الحيوان عن العضو الأبتر عضوًا آخر مستعينًا بأعصاب وعضلات وأوعية شريانية، فإننا نشاهد منطق الحياة يهيئ لمثل ذلك الطارئ الفجائي من الحوادث ما يعجز المنطق العقلي عن تقليده وإدراك أمره، وأيضًا فإن منطق الحياة هو الذي يعلم الطائر كيف يطير، وكيف يقلب طيرانه حسب الأحوال، فقد اقتضى مرَّ عصور عديدة على الإنسان حتى استطاع بمنطقه العقلي أن يقلد الطائر قليلًا.

وما في أعمال الحياة من ضبط وإحكام، وما تفعله كل يوم من التئام بالأحوال ذات التقلب المستمر، وما فيها من استعداد للدفاع عن الجسم ضد عوارض العالم الخارجي الفجائية، يجعلنا نَعُدُّ تعبير «منطق الحياة» تعبيرًا ضروريًّا.

ومنطق الحياة هو الذي ينظِّم ديمومة الفرد والنوع الذي ينتسب إليه، فحياة الفرد زائلة، وحياة النوع وإن كانت أطول إلا أنها ليست مؤبدة؛ إذ تدلنا بقايا