صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/54

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ٥٤ -


فروق يُمكِّننا من أن نستقرىء سلسلة تطور غریزتها التى تنتجه - بادئة من الزنابير المنفردة - نحو الزنابير الاجتماعية.»

وما لاحظناه من حوادث الحشرات نلاحظ مثله فى الحيوانات العليا، فهذه الحيوانات تستطيع أن تأتى بأفعال يتألف من تدوينها على راق لو كان المنطق العقلى هوالذي أملاها. ونعد تلك الأفعال إدخار الحيوان مايحتاج إليه من قوة شديدة ليطير فى الهواء من غير عناء كما يشاهد فى الصقور والخطاطيف الخ، فالطيور المذكورة تهبط من ارتفاع كبير مطاردة طرائدها، ولأجل ذلك تطوى أجنحتها فتنزل الى الأرض على شكل منحنٍ، وهى تستفيد من القوة الحادة التى نالتها فى أثناء هبوطها عند صعودها ثانية فى الهواء، ومما يقدر عليه الطير أيضاً هو أن ينال برشاقة ما فى منحدر مجارى الهواء من قوة يلائم بها على الفور تقلبات الجو الفجائية

لا ريب فى أن تعبیر منطق الحياة الذي أوجدناه لا يؤدى الآن الى ايضاح حقائق الأمور إيضاحاً کاشفاً، ولكنه يفيدنا على الأقل باثباته أن جميع أفعال الحيوان التى زُعم أنها غريزية هى بالحقيقة غير ناشئة عن الغريزة العمياء التى حاول العلماء حتى الآن أن يسندوها اليها، فالعدول عن الشروح الآلية كالتى أتى بها (ديكارت) هو فى الواقع تسليم بوجود عالم نفسي واسع مجهول نكاد لا نبصر منه سوی وميض خفيف.

ومع أن البيان السابق يبتعد قليلاً من مقاصد هذا الكتاب فاننا نعده شيئا جوهریاً لامناص . من الالماع اليه فيه، فلا يذهب عن بالنا عند البحث فى علل آرائنا ومعتقداتنا أنه يستتر تحت سطح الحوادث الخارجي قوي لم تدركها الأبصار وهى أقوى من عقولنا المسيرة بها فى الغالب. تلخص هذا الفصل بالكلمات الآتية وهى : إن ظهور منطق الحياة قد تم قبل ظهور أنواع المنطق الأخرى وأنه لا حياة بدونه ، فلو توقف عمله لصارت الأرض بلقماً كالحاً تتحكم فيه قوى الطبيعة العمياء أى القوى التى ليست عضوية