صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/55

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٥٥-

الفصل الثالث

المنطق العاطفى ومنطق الجموع


١ –المنطق العاطفى

قد ميز العلماء منذ وقت بعيد دائرتين فى روح البشر وهما دائرة المشاعر ودائرة العقل، وأما القول بوجود منطق للمشاعر فقد وقع فى زمن قريب ، وقبل أن نفرق بين المنطق العقلى ومنطق المشاعر نعترف بأن الحياة العاطفية كياناً مستقلاً عن كيان الحياة العقلية ، فظهور الحياة العقلية قريب فى تاريخ العالم مع أن الحياة العاطفية وما تضمنته من منطق قد سير ذوات الحياة منذ الأجيال الجيولوجية ، وقد عاشت الحيوانات وبلغت غايتها على ما يرام بفعل منطق الحياة والمنطق العاطفى فقط ، خذ الدجاجة مثلاً تر أنها تعرف بعاطفتها كيف تربي فراريجها وتقودها وتعلمها الاقتيات وتكف أذى عدوها عنها .

أيام كان الناس لا يعرفون غير المنطق العقلى كانوا يرون أن العقل هو مصدر مافيهم من ظنون وأفكار، والواقع أن العقل أصل المسائل العلمية، وهو قلما يكون سبب الأمور الاعتيادية التي تحدث فى أثناء الحياة اليومية، فالمنطق العاطفى هو في الغالب مصدرها ، وكلما أمعنا فى تفهم ما للمبادىء العاطفية من تأثير نتوثق من هذا القول الأساسى، حينئذٍ نرى أن أدلاء العاطفة هى غير أدلاء العقل وأن حوادث المنطق العاطفى يرتبط بعضها ببعض حسب قواعد وثيقة بعيدة من المنطق العقلى.

وسيكون شأن المنطق العاطفى الذے استأثرت به أهواء الكتاب الروائيين والشعراء حتى الآن عظيماً فى علم النفس القادم، فشأن المؤثرات العاطفية فى الحياة هو فى الدرجة الأولى كما قال ( ریبو)، وليست المعرفة رَبَّةَ بل أمَةً كما قال هذا الفيلسوف أيضاً.