صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/7

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٧–

فكيف يمكن اكتناء ما في المعتقدات من قوى عجيبة التي ذكرناها ؟ ولماذا يخضع الإنسان بغتة لايمان كان يجهله بالأمس ؟ وما هي العلة التي بها يرفع الايمان الانسان الى مستوى ارفع من مستواه ؟ وما هي العناصر النفسية التي تنبجس منها هذه الأسرار ؟ سنسعى في الإجابة عن جميع ذلك .

لتكوين الآراء والمعتقدات وذيوعها وجوه خارقة للعادة نجعل المؤمنين يعزونهما الى مصدر الهي ، ومما يشيرون اليه هو أنهم يعتنقونها مخالفتها لاكثر منافعهم وضوحاً ، نعم قد يمكن إدراك السبب في انتشار الدين المسيحي بين من يعدهم بسعادة أبدية من عبدان و محرومين طيب العيش ، ولكن ما هي القوى الخفية التي كانت تحمل الشريف الروماني على التجرد من أمواله وتعريضه نفسه للعذاب في سبيل دين جدید ترفضه العادة ويأباه العقل وتحرمه القوانين ؟

لا يجوز نسبة تسليم الناس بذلك الذين الى سخفهم ، فلقد سلم به أيضاً أرباب العقول النيرة منذ القرون الأولى حتى يومنا هذا .

ولا يكون ما يقال في المعتقد من نظريات قيماً الا بايضاح هذه المسائل كلها ، ومما يقتضي أن تتضمنه هذه النظريات على الخصوص هو بيانها كيف يعتقد صفوة العلماء - الذين بلغت فيهم روح النقد منتهاها - اساطير صبيانية مضحكة ، قد نتصور أن نیوطن و باسكال وديكارت وغيرهم ممن عاشوا في بيئة مشبعة من بعض العقائد رضوا غير مجادلين بهذه العقائد رضاءهم بنواميس الكون المقدرة ، ولكن لماذا لم تضمحل تلك المعتقدات اضمحلالاً تاماً في أيامنا التي سطعت فيها أنوار العلم على كل بيئة ؟ ثم لماذا تظهر أوهام غريبة مكان المعتقدات المنحلة كما يؤيد ذلك انتشار طريقة استخدام الأرواح بين أفاضل العلماء ؟ يجب أن نجيب عن جميع هذه الأسئلة أيضاً.

۲ – ما هو الفرق بين المعتقد والمعرفة ؟

لنبين أولاً ما هو المعتقد و ماذا يختان عن المعرفة ، فالمعتقد هو إيمان ناشيء عن مصدر لا شعوري يُكّره الانسان على تصديق فكر أو رأي أو تأويل أو مذهب