صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/9

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٩–

٣ – شأن المعتقد و شأن المعرفة

المعرفة هي عنصر الحضارة الأساسي وهي العامل الكبير في ارتقائها المادي، وأما المعتقد فهو الذي يرسم وجهة الأفكار ومن ثُمَّ وجهة السير.

كان الناس فيما مضى يعزون المعتقدات إلى مصدر إلهي فكانوا يعتنقونها غير مجادلين فيها، وعلى رغم علمنا في الوقت الحاضر أنها صادرة عن انفسنا فانها لا تزال ذات سلطان علينا . وما تأثير قوة البرهان فيها الا كتأثيره في الجوع والعطش، فلما نضج المعتقد في منطقة اللاشعور حيث لا يصل اليها العقل عاناه المرء غير محاج فيه .

ومصدر المعتقدات اللاشعوری وغير الارادي يمنحها قوة عظيمة، فللمعتقدات دينية كانت أم سياسية أم اجتماعية شأن كبير في التاريخ على الدوام، إذ لا تلبث المعتقدات بعد أن تصير عامة أن تصبح قطوباً جاذبة تجذب حواليها كيان الشعوب وتطبع سمتها على كل عنصر من عناصر حضارتها فتوصَف الحضارةُ حينئذ باسم الدين الذي أوحي إليها، ولذلك كانت اسماء الحضارة البوذية والحضارة الاسلامية والحضارة المسيحية أسماء صحيحة صائبة إلى الغاية، ومتى صار المعتقد قطب جذب أصبح قطب تغيير أيضاً، لأن عناصر الحياة الاجتماعية المختلفة . فلسفة وفنون وأدب تتبدل لتلتئم به.

والثورات الحقيقية هي التي تتجدد بما معتقدات الشعب الاساسية، غير أنه يندر وقوع مثل هذه الثورات، والذي تأتي به الثورات عادة هو تغيير اسم العقائد فقط، فالايمان يتبدل موضعاً ولكنه لا يموت أبداً، لأن احتياج الانسان الى الاعتقاد هو عنصر نفسي مسيطر كاللذة والألم .

روح الانسان تمقت الشك ولا تطيق الارتياب، واذا تطرق الشك أحياناً إلى قلب الرجل فذلك لأجل محدود، فالانسان يفتقر إلى إيمان ديني أو سياسي أو أخلاقي يهيمن عليه و يكفيه عناء التفكير، واذا تداعی معتقد فذلك ليحل مكانه معتقد آخر، ولا حول للعقل إزاء هذه السنة القاهرة التي لا تتبدل .

والايمان في الوقت الحاضر ليس بأقل منه في القرون الغابرة، وما يوعظ به في المعابد الجديدة من عقائد لم يكن أخف وطأة من عقائد الماضي، ولهذه المعابد أنصار