خِفْتُ عليه التلفَ، فَأَرسلتُ وَرَاءَ الطَّبيبِ، فجاءَ وَأَلْقَى عَلَيْهِ نَظْرةً طَويلةً، ثُمَّ اسْتَرَدَّها مَمْلوءَةً يَأْساً وحزناً.
ثم بدأ يَنْزعُ نَزْعاً شَدِيداً وَيئِنُّ أَنيناً مُؤلِماً، فَلَمْ تَبْقَ عَيْنٌ مِنَ العيونِ المحيطةِ به إلاَّ ارْفَضَّتْ عن كُلَّ ما تستطيعُ أَنْ تَجُودَ بِهِ مِنْ مَدَامِعِها.
فَإِنَّا لَجَُلُوسٌ حَوْلَهُ، وقد بَدَأَ الْمَوتُ يُسْبِلُ أَسْتَارَهُ السَّوْدَاءَ حَوْلَ سَرِيرِه، وَإِذَا بامرأَةٍ مُتَّزِرَةٍ بِإِزَارٍ أَسْوَدَ قد دخلتِ الحجرةَ وتقدمت نحوه بِبُطْءٍ حتى رَكَعَتْ بِجَانِبِهِ، ثُمَّ أَكَبَّتْ على يده الممتدة فوق صدره فَقَبَّلَتْها، وأَخذت تقول له:
لا تَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيا وأَنت مُرْتَابٌ في وَلَدِكَ، فَإِنَّ أُمَّهُ تَعْتَرِفُ بين يَدَيْكَ، وأنت ذاهبٌ إلى رَبَّكَ تَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِها أنَّها وَإِنْ كَانَتْ دَنَتْ مِنَ الْجَرِيِمَةِ فَإِنَّها لَمْ تَرْتَكِبْها، فَاعْفُ عَنِّي يا وَالِدَ وَلَدي، واسْأَلِ