صفحة:الديمقراطية في الإسلام (1952) - العقاد.pdf/181

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٧٧
 

المقرر والحق المعمول به في دنيا الناس، ولكن هذا السهل على اللاغطين لا يسهل على الذين يرجعون إلى تاريخ «دنيا الناس» وما تكسبه من تقرير الحقوق، فإن الشارع لا يعمل للإنسان عمله، ولكنه يقرر له حقه وحق غيره، ويعرفه بما هو مباح له وما هو محرم عليه، ونحن لا نطلب من الشارع أن يأخذ بأيدينا لنعمل أو يأخذ بأيدينا ليكفها عن العمل، ولكننا نطلب أن يبين لنا الحدود، ويفصل بين الحلال البين والحرام البين، وما من شك في غناء هذا البيان الذي لا غنى عنه لمجتمع من المجتمعات، فإن صعوبة العدوان لتعظم وتتضاعف حيث يعتدي المعتدي وهو يعلم والناس يعلمون أنه يقدم على فعل محظور، ولا صعوبة عليه حين يمتنع العلم بمواقع العدوان ومواقع الدفاع، كذلك تقوم الحجة لمن يعمل الواجب حين يوجبه على الناس بالشرع الذي يدينون به والحق الذي يسلمونه، ولا تقوم له حجة عليهم إذا بطلت بينه وبينهم سنة العرف وحدود الواجب والممنوع، وحسب الناظر إلى الحقائق أن ينظر إلى حالة الدنيا إذا ارتفع منها كل كلام عن الفرائض والمحرمات وعن الحقوق والواجبات، ثم يرى كم تخسر؟ وماذا يبقى لها من محصول التاريخ بعد زوال هذا الذي يسميه اللاغطون المتحذلقون بمجرد الكلام؟

على أن الاستخفاف بقوانين الأخلاق قد يسهل على الذين يتكلمون عن القوانين التي تفرضها القوة على أبدان المحكومين، ولكنهم لا يستسهلون هذا الاستخفاف حين يكون إلزام القوانين من قبل الضمير والوجدان، وعلى موجب العقيدة والإيمان كما تمليها الأديان؛ إذ هي ثمة تجري