صفحة:الروم في سياستهم وحضارتهم ودينهم وثقافتهم وصلاتهم بالعرب (1951) ج.1.pdf/123

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

بطريرك الإسكندرية (٣٨٥–٤١٢) رجلًا مثقفًا وعالمًا رياضيًّا سخَّر مقدرتَه في الرياضيات لوضع جداولَ مضبوطة تنبئُ بالأزمنة التي يقع فيها عيدُ الفصح، فاكتسب بذلك شهرةً واحترامًا في زمنٍ اشتد فيه الورعُ والتقوى، وكان ثيوفيلوس أديبًا كبيرًا بلغ مِن شغفه بالأدب ورهافة ذوقه فيه مبلغًا كان يستطيع معه أن يستمرئَ حلاوة قطعةٍ أدبيةٍ يكونُ هو نفسه قد حرَّم مطالعتها، وكان أيضًا سياسيًّا محنكًا بالغَ القدرة في تسويةِ أَعْوَصِ المشاكل وأَعْقَدِهَا، ولكنه كان طمَّاعًا مفتونًا بالمال والمجد يدبُّ إليهما بكل ما أُوتي من دهاء وحنكة ومكر.

وشعر ثيوفيلوس بالطاقة الكامنة في رهبانيات مصر وكان قد ازداد عددُ أفرادها حتى بلغ الأُلُوف، فتقرَّب إليهم وتَوَخَّى السيطرةَ عليهم بِأَنْ عمد إلى التظاهر بما ليس فيه، فقال قول أكثريتهم بالتشبيه؛ أي إن لله شكلًا بشريًّا، وراح يقاوم قول أوريجانيوس بشدة وحماسة، وكان هذا من المُنزِّهة علَّم بأن الله لا جسم له فهو لا يُرى ولا يُمكن إدراكه. وبلغ من أمر ثيوفيلوس أَنْ لجأ إلى العُنف فهاجم بالقوة المسلحة ديرًا كان رهبانُهُ ما برحوا متمسكين بتعاليم أوريجانيوس، ففرَّ أربعةٌ من زعماء هؤلاء، عُرفوا فيما بعد بالإخوة الطوال، إلى القسطنطينية والتجئوا إلى بطريركها يوحنا الذهبي الفم.

وكان ثيوفيلوس لا يقر المجمع المسكوني الثاني (٣٨١) على تقديم بطريرك القسطنطينية في الكرامة على سائر البطاركة بعد بطريرك رومة، فأَضْمَرَ السوء ليوحنا الذهبي الفم، ودعا إلى مجمعٍ في خلقيدونية — كما سلف لنا القولُ — واستغل جرأةَ الذهبيِّ الفم ومواقفَه العنيفة مِن بعض رجالِ البلاطِ ونسائهم — ولا سيما إفذوكسيَّة الإمبراطورة — فتوصل بذلك إلى إنزال بطريرك القسطنطينية عن عرشه ودَفْعِه إلى المنفى.

المجمع المسكوني الثالث في إفسس: (٤٣١) ورقي كرسيَّ القسطنطينية في السنة ٤٢٨ البطريرك نسطوريوس، وكانت الكنيسةُ قد

١٢٢