صفحة:الروم في سياستهم وحضارتهم ودينهم وثقافتهم وصلاتهم بالعرب (1951) ج.1.pdf/63

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

في الشرق أكثر من الغرب؛ فالقبائل البربرية التي كانت تهدد حدود الدولة في أوروبة كانت تتأثر كثيرًا بحركات القبائل الضاربة في مراعي روسية الجنوبية، والأسرة الساسانية التي كانت قد أعادت إلى فارس نشاطها وطموحها كانت قد بدأت تطمع في ولايات رومة الشرقية. وكانت هذه الولايات الشرقية قد احتفظت بنشاطها الاقتصادي فكانت تؤدي إلى الخزينة مبالغَ عظيمة من المال تَفُوقُ بكثيرٍ ما كانت تؤديه الولايات الغربية. وكانت ولاياتُ البلقان تقدم أفضل الرجال للجيش. ولمس قسطنطين هذا كله فرأى أنْ لا بد من إنشاءِ عاصمةٍ جديدةٍ في الشرق تُسَهِّلُ الدفاعَ عن الدانوب والفرات وتضمن الطمأنينة اللازمة لأبناء الولايات الشرقية. فأراد في البدء أن يجعل مسقط رأسه نيش عاصمةً لملكه. ثم اتجهت أنظارُهُ نحو صوفية Sardica وثيسالونيكية. ورأى بعد ذلك أن طروادة أحق بالشرف من هذه جميعها؛ لأنها كانت موطن الجبابرة ومسقط رأس الرومانيين الأولين الذي أسسوا رومة. وقام إليها بنفسه وخطط العاصمة الجديدة فيها وفي ضواحيها وأنشأ الأبواب الرئيسية ولكنه تراءى له في الحلم أن إلهه يأمره بالتفتيش عن محلٍّ آخرَ فوقع اختياره على بيزنطة1.

وكانت بيزنطة مستعمرة يونانية قديمة أسسها أبناء ميغارة Megara في السنة ٦٥٢ قبل الميلاد؛ للاتجار بحبوب روسية الجنوبية ومعادن حوض البحر الأسود ومصايد البوسفور. وقامت بيزنطة هذه على رأسٍ ناتئٍ في البحر عند أَوَّل فجوة داخلة في ساحل البوسفور الأوروبي. وكانت هذه الفجوةُ على شكل هلالٍ مائيٍّ داخل في الأرض عشرة كيلومترات؛ ولذا

اسمه المتأخر «القرن الذهبي». واتخذت بيزنطة شكل الرأس الذي عليه

  1. Sozomenis, Hist. Ecc. II, 3.
    Piganiol, A., Emp. Chretien, 49.
٦٢