صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/108

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٠٢
بشير بين السلطان والعزيز

ولمس إبراهيم ظلماً لحق الفلاح والمزارع من جراء تلزيم الضرائب فكتب إلى الباشماون بوجوب إلغاء التلزيم وجباية الضرائب مباشرة وقال: «إني لم أقصد من طرح هذه الضرائب مباشرة جلب وفر لجانب الميري فقط بل إني رأيت في ذلك نفعاً وسهولة يعودان على الجانبين معاً. فقد تيقنت ما يلقاه الأهالي من الظلم والجور والأذى والخسارة من الملتزمين حين يأتون إلى القرى التي التزموا عشرها ويقيمون فيها. فمأكول الملتزم ورجاله وعليق دوابهم ومأكول معارفهم الذين يمرون عليهم في أثناء السفر جميع هذا على حساب الأهالي، وليس بإمكان هؤلاء أن ينقلوا غلالهم من البيادر ما لم يسمح الملتزم بذلك. فقد تبقى هذه التلال على بيادرها حتى الخريف فتعرض للتلف والفساد من جراء سقوط المطر. ولو فرض حدوث مظالم وأكل حقوق بموجب النظام الجديد فانه سيكون نادراً كما إننا لا نحجم عندئذ عن إجراء التحقيق اللازم. ولقد سأل شيوخ القرى بين الشام وحلب جرمانوس لدى مروره في قراهم إننا سمعنا أن ضرائب العشر ستطرح على الأهالي بالمقطوعية فقل لنا ماذا تم»1.

هذه نماذج من أقوال العزيز وابنه ورجالهما. وهي لا تحتاج إلى الكثير من الجرح والتعديل في أقوال المسؤولين عن أعمالهم وقد دونت في زمن وقوعها ولم تقصد بها أية دعاية لأنها كانت سرية أو على الأقل غير مباحة للجمهور.

هيكله: ولا بد قبل الخوض في الكلام عن هيكل الإدارة في عهد العزيز من إجلاء أمرين أساسيين هامين أولها حدود بر الشام والثاني صلاحيات العزيز. والشام في عرف العزيز شملت إیالات حلب ودمشق وطرابلس وصيدا وتوابعها. بيد أن قلة الثقة بين العزيز وبين السلطان أدت إلى مفاوضات شاقة حول الحدود الشمالية الشرقية. وهنالك غموض ونقص في المراجع يضيع معها الباحث فيحتار في أمره. وجل ما يمكننا أن نقوله الآن هو أن الفرات كان بوجه إجمالي الحد الفاصل بين العزيز وبين السلطان في الشرق وإن عينتاب وکلس وکورد داغ وقعوا جميعاً ضمن الحدود المصرية، والأمر الثاني هو أن العزيز بقي من الناحية القانونية حتى آخر عهده في بر الشام والياً من ولاة السلطنة يحكم بوجب أمر سلطاني يوجه إليه سنة فسنة، ولكن الواقع الذي لا جدال فيه هو أن هذا الوالي كان أقوى ولاة السلطنة وأجدرهم بالحكم وأنه كان يضاهي السلطان نفسه قوة وعزة ومجداً وقد تمكن بالفعل من قهر الجيش السلطاني ومن أسر قائده الصدر الأعظم نفسه ومن إملاء شروطه على السلطان.


  1. المحفوظات نفسها ج ۳ ص ۱۲۰-۱۲۱