وكثيراً ما قطع هذا التآخي حدود المقاطعات فضم أسرتين في مقاطعتين مختلفتين كما جرى بين أسرة بني حسن الدرزية في بعذران الشوف وبين أسرة بني مجاعص النصرانية في الشوير في المتن. ومما يروى من هذا القبيل أنه عندما غرم الأمير بشير الثاني الشقراويين الدروز في عماطور بمبلغ كبير من المال وتعذر عليهم جمعه بكامله هب «أبناء عمهم» بنو نعمه النصارى في دير القمر لدفع الباقي.
سياسته الداخلية: وكان الزعماء اللبنانيون على ما بهم من حذق ومقدرة وإخلاص للوطن لا يفترون منشقين بعضهم على بعض. فالشهابيون منهم كانوا يطمعون بالحكم كل بدوره فيدسون الدسائس على من هو في الحكم منهم ويؤلبون رجال الإقطاع عليه فيقابلهم هو بالمثل وتعم الفتنة البلاد بأسرها. وإن هم أخلدوا للسكينة أثارهم أحد الولاة من حولهم وابتز منهم المال المستعجل والوعد بغيره. ولم ينج بشير الثاني من شيء من هذا. فإنه ما كاد يستلم أزمة الحكم في البلاد حتى اضطر أن يقاتل الأمير يوسف فترة من الزمن ثم الأميرين حيدراً وقعدان الشهابيين ثم أبناء الأمير يوسف فالأمراء سلمان وسید أحمد وفارس فعباس الشهابيين. وطال أمد هذه المزاحمة ولم تنته قبل السنة الخامسة والثلاثين من حكم بشير! وأدت إلى تنازله عن الحكم أحياناً ودخوله سجن عكة مرة واحدة وفراره إلى حوران مرة أخرى والتجائه إلى مصر.
وأدرك الأمير أن الأمراء والأشياخ يشتغلون كل لمصلحته ولو أدى تحقيقها إلى خراب عام وأن مصلحته ومصلحة لبنان تقضيان بتحطيم الرؤوس الكبيرة وبتوطيد السلطة المركزية وبالتالي بربط الشعب اللبناني بشخص حاكمه مباشرة. وكان سلفه ونسيبه الأمير يوسف قد شعر بشيء من هذا وبدأ بتحطيم النكديين فرأى بشير أن يبدأ أيضاً. فاتفق مع الجنبلاطيين والعماديين على ذلك واستدعى إليه أولاد الشيخ كليب النكدي إلى دير القمر سنة ١٧٩٧. ولما دخلوا مجلسه خرج من القاعة وأغلق الباب فأسرع الشيخ بشير جنبلاط والمشايخ العمادية ودخلوا القاعة وجعلوا يخرجونهم واحداً واحداً ويقتلونهم ضرباً بالسيف وكانوا خمسة. ثم أرسل الأمير أعواناً إلى عبيه يقبضون على أولاد الشيخ بشير النكدي ففروا واختبأوا فأرسل أعواناً أحضروهم إليه ووضعهم في السجن وبعد قليل دخل إليهم المشايخ العادية وقتلوهم وكانوا أربعة. وأما الصغار من النكديين فهربوا مع الشيخ سلمان إلى دمشق فضبط الأمير أملاك الجميع وأبقى له جزءاً وأعطى الباقي للقاتلين. ولما علم الجزار بذلك