مباشرة ومنع تدخل حكام الإيالات في شؤونه. وكان الصدر بحاجة لرضى العناصر المحلية ولا سيما لبنان ليدفع الضرر الذي لحق بالسلطنة من جراء الحملة الفرنسية على مصر «فالتقاه بكل إكرام وحبه حباً عظيماً لأجل صورته وجسارته وأوعده بكل ما طلبه»1 ووجه إليه فرماناً بذلك فقال: «وبمنه تعالى بعد توريدكم إلى الخزينة العامرة المطلوب منكم تصل إليكم الفرمانات العلية والأوامر السنية المفصحة والمعلنة في تفويض البلاد إليكم وتقرير الأقلام والأماكن المرقومة عليكم حسب ما صدر الوعد منا بذلك ورفع ساير التكليف الشاقة عنكم من وزرا عظام وغيرهم ما عدا دفع قلم الميري المربوط في المقاطعات المذكورة والقلمية من قديم الزمان فمتى أديت أموال الميرة والقلمية وبدل الالتزامات كل شيء إلى محله والأماكن المذكورة تكون تحت يدك ونظارتك. فبناء على ذلك قد صدرنا إليكم مرسومنا هذا الشريف المنح»2. تسلم الشهابي الكبير هذا الفرمان وبات ينتظر تنفيذه ولكن دون جدوی.
وكان في الوقت نفسه يتجنب الاصطدام بحكام الإيالات المجاورة ويبتعد عنهم ما أمكنه. وقد أدى به هذا إلى الملاينة والمصانعة والمداهنة في بعض الأحيان. مثال ذلك موقفه من التطاحن الذي وقع بين والي حلب وبين رؤساء عساكر الجزار بعد وفاته. فالشهابي أرسل المتقادم لمرشح رؤساء العساكر إسماعيل باشا وتقبل خلعة الولاية منه وكتب في الوقت نفسه إلى متسلم دمشق أنه سيطيع من توليه الدولة ولكنه لن يخضع لإسماعيل لأنه خرج على الدولة. واستقبل مرشح الدولة إبراهيم باشا والي حلب وتقبل خلعة الولاية منه وأرسل معه من يمثله في حصار عكة على رأس مئة فارس. ولكنه على الرغم من هذا عرف كيف يحافظ على هيبته وعند أي حد يقف. فإنه عندما علم بقدوم والي حلب عن طريق حاصبيا فصيدا نزل من دير القمر إلى صيدا على رأس ستة آلاف مقاتل وقابل الباشا واعتذر عن مواكبته قائلاً أنه بعد ما جرى بينه وبين الجزار أقسم أنه لن يواجه وزراء وأنه سيسئل في الحرب القائمة بمئة فارس. ثم عاد إلى دير القمر3. ولم يعتور الشهابي في مواقفه هذه شيء من الجبن أو التخاذل، فإنه عندما كانت الضرورة تقضي بتدخله تدخلاً فعلياً كان يدفع برجاله إلى ساحات الوغى فيرجح الكفة وينال ما يطلب كما سنرى عند الكلام عن سانور والمزة.