صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/3

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
كلمة المؤلف


قضت ظروف الأتراك العثمانيين بفتح يسير. فاكتفوا بالطاعة والضرائب. ولم ينتدبوا للقيام بمهام الحكم من أبناء جنسهم سوى أكبر كبراء الموظفين. فجاء فتحهم قليلاً ضعيفاً. وبقيت شؤون الأقطار الشامية في معظمها على ما كانت عليه قبل الفتح.

وانحاز اللبنانيون عن المماليك في أثناء الفتح، أو قبله، ومالوا إلى الأتراك. فنالوا بذلك امتيازات في الحكم لم يتمتع بها غيرهم من بين طوروس وسيناء. فكان على الولاة العثمانيين بعد ذلك أن يعترفوا بحكومة لبنانية تدير شؤون لبنان الداخلية بزعامة أمير لبناني معني ثم شهابي.

وكان للحكومة العثمانية أن تنحط سريعاً وتتدهور. وكان لحكامها في الولايات أن يضوا بكل ظاهرة من ظواهر الحكم، ما عدا العدل والأمن. وطمعوا في لبنان، ولاسيما في «بقاعه العزيز» فردوا على أعقابهم خائبين. ووقع أحدهم (مصطفى) أسيراً في مجدل عنجر. وفر غيره (كنج) من مركز ولايته دمشق، لدى وصول اللبنانيين إليها. وفاوض ثالث (درویش) صاغراً.

ونزعت نفس فخر الدين الثاني إلى الاستقلال التام. وفاوض في ذلك واستعد له. ولكن الحظ لم يسعده، فباء بالفشل. ولم تسمح ظروف الشهابيين الداخلية بشيء من الاهتمام بالاستقلال قبل أيام بشير الثاني. ورأى هذا الشهابي الكبير بثاقب نظره أن لا فائدة ترتجى من الأتراك العثمانيين وسلطنتهم، ولمس في الوقت نفسه عبقرية محمد علي لمس اليد، فاتصل به في مصر وفاوضه في تحالف لا نزال نجهل تفاصيله حتى ساعتنا هذه، ثم خرج الاثنان معاً على السلطان وتعاونا تعاوناً وثيقاً. وكان لبنان آنئـذٍ يقدم إلى ساحات الوغى أكبر العناصر العسكرية