أجدر بنا أن نموت في سبيل الدين فنشيد بذلك دنيانا وآخرتنا معاً. هذا إذا غلبونا وأما إذا لم يغلبونا ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً فحينئذٍ نجد في الدنيا اللذة التي يبحث عنها الناس في الآخرة. فيدوي في الآفاق صدى بطولتنا وسمعتنا الطيبة ويذكرنا العالم بالخير إلى يوم القيامة. هذا لا ريب فيه. والله كفيل بعباده»1. ولا يمكن اعتبار هـذا ضرباً من ضروب الدعاية التي تكثر في أيام الحروب إذ أنه صدر عن العزيز لابنه وبشكل سري وبقي مطوياً مئة عام ولم يظهر للنور إلا في السنوات الأخيرة، ولكنه قد يكون من باب تبرير النفس تجاه عمل أدى القيام به إلى اشتباك المسلمين بعضهم ببعض وإلى سفك الكثير من الدماء. وقد يكون خالياً من هذا صافياً والله أعلم.
ومما لا شبهة فيه أن الدولة العثمانية كانت آنئذٍ في تأخر وانحطاط وأن كبار الرجال فيها كانوا يحسدون العزيز على ما ناله من الجاه والمال وأنه كان بينهم رجل ذكي فطن سبق العزيز إلى مصر وتنازل عن حكمها مكرهاً ممسكاً عداوة للعزيز متربصاً لفرصتها. وتفصيل ذلك أنه لدى خروج الفرنساويين من مصر نشبت منافسة بين يوسف باشا الصدر الأعظم وبين حسين كوجك باشا أمير البحر (قبودان باشا). وكان هذا رفيق صبوة السلطان فتغلب على الصدر وجعل أحد مماليكه محمد خسرو باشا والياً على مصر. وكان تحت إمرة هـذا الوالي قائدان للجند أحدهما العزيز نفسه والآخر يوسف بك. ورأى العزيز أن الوالي الجديد لا يصلح للحكم سيء التدبير محباً لسفك الدماء. وكان قد أسرع هذا الوالي إلى اغتنام عداوة نشبت بين عثمان بك البرديسي وبين محمد بك الألفي زعيمي المماليك وأرسل جنوده لقتال البرديسي بفرقتين إحداهما بإمرة العزيز والأخرى بقيادة يوسف بك فتقدمت القوتان نحو دمنهور حيث رابطت قوة من المماليك بقياده البرديسي نفسه، ولكن يوسف بك سبق العزيز واقتتل مع البرديسي وحده فانقض هـذا بفرسانه واخترق جيش يوسف بك وداس الرجال تحت حوافر الجياد وأعمل بهم السيوف فقتل منهم خلقاً كثيراً. فنسب يوسف اندحاره هذا إلى امتناع العزيز عن المعاونة ووشى به إلى الوالي محمد خسرو باشا. فثارت في قلب الباشا ثورة غضب وصمم على الإيقاع بالعزيز فاستدعاه إليه بعد العشاء. ولكن حيلة الوالي لم تنطل على العزيز فأجابه أنه سيذهب إلى مقابلته في رائعة النهار وعلى رأس جنوده2. وحرّك العزيز جنوده على الباشا فطلبوا دفع الجماكية والمتأخرات. وكانت فتنة أدت إلى خلع خسرو