وإخراجه من مصر. فعاد إلى الآستانة متأثراً وساعده الحظ فأصبح من رجال البطانة لا بل رجلها. فأوغر الصدور واقضَّ على العزيز مضجعه وأكرهه على مناصبة العداء والاستعداد للقتال في سبيل الدفاع عن النفس.
ويلوح لنا أن العزيز يئس من إمكانية الوصول إلى تفاهم ودي وأنه رأى أن لا بد من اللجوء إلى العنف ليضمن شيئاً من الاستقرار والطمأنينة ولا سيما وأنه كان قد بذل ما في وسعه لإرضاء السلطان وبطانته فدوّخ الوهابيين وأخضع اليونانيين وأظهر استعداده لمحاربة الروس. وكان أيضاً لا ينفك عن تقديم الهدايا، فإنه في مطلع السنة ١٢٤٣ (۱۸۲۷-۱۸۲۸) وحدها قدم على سبيل الهدية الشخصية نصف مليون غرض إلى السلطان نفسه وخمسين ألف فرش إلى السلحدار الشهرياري وخمسين ألف غرش إلى الصدر الأعظم وعشرين ألفاً إلى شيخ الإسلام وخمسة عشر ألفاً إلى القبودان باشا وخمسة عشر ألفأ غيرها إلى كتخدا الصدر الأعظم ومثلها إلى الريس أفندي (وزير الخارجية) وخمسة وسبعين ألفاً إلى جهات أخرى1. فعمل كل هذا وعندما لبى الطلب لمحاربة الروس وصد طغيانهم أراد أن يرسل جيشه براً إلى الآستانة ولكنه منع بلطف وأشير عليه أن يرسله بحراً وقيل له إذا كان لا بد من إرساله براً فعلی دفعات متوالية!!
يأس العزيز من إمكانية الوصول إلى تفاهم ودي مع رجال الآستانة ولجأ إلى العنف في السنة ١٨٣١ ولكنه هل أراد الاستقلال والانفصال عن الدولة أم أنه أراد أن يفرض إرادته فرضاً فيبعد الخصامه عن السلطان ويحيطه بأصدقائه ويستولي على الشام وغيرها فيصبح لديه من المال والرجال والنفوذ والعظمة ما يمكنه من تسيير سياسة السلطنة كما يشاء دون التعرض إلى أمور أخرى قد تثير جماعة المسلمين عليه وتخلق أزمة دولية كبرى لا يمكن التكهن عن نتائجها؟ نقول ليس لدينا من كلام العزيز نفسه ما يخولنا القول أنـه طلب الانفصال عن الدولة أو أنه رغب فيه. وجل ما هنالك أقوال غيره عنه. وأهم هذه ما جاء في رسالة ابنه إليه بعد وصوله إلى كوتاهية في أوائل السنة ١٨٣٣ وبمناسبة قيام وفد مفاوض إلى الإسكندرية. فإبراهيم يوجب عدم التردد ويرى أن المصلحة تقضي بالمطالبة باستقلال مصر وبضم قبرص وأضالية وعلائية وإيج إيل إلى مصر وكذلك تونس وطرابلس الغرب. أما بغداد فإنها بعيدة عن مصر قليلة الفائدة ولذا فإنه يكتفي بالمفاوضة بشإنها ولا يتمسك بضمها
- ↑ محمد علي باشا إلى محمد نجيب أفندي ١٠ محرم سنة ١٢٧٣ (۱۸٢۷): المحفوظات الملكية المصرية ج۱ ص۹٥