إلى مصر. ويرى القائد ابن العزيز أن الاستقلال هو خير وسيلة للتخلص من ظلم حكومة الآستانة وعدم وفائها ومطالباتها بالمال1. وكان قد سبق لإبراهيم أن كتب إلى والده قبل ذلك بشهر واحد يقول إن مصلحة مصر تقضي بمتابعة الزحف لخلع السلطان والتخلص من ظلمه ومكايده ولإجلاس ولي العهد مكانه وأنه لا يخشى تدخل الدول الأوروبية إذ أنها لا تستطيع منعه لأن الوقت لا يسمح بذلك إلى أن يقول «أما إذا شرعت هذه الدول في تقسيم السلطنة العثمانية فليس له إلا أن يدعو بالسلامة وليحصل ما سيحصل في أقرب وقت حتى تنتهي هذه المشكلة ويزول الخوف»2. ومن هذه الأقوال ما فاه به الأمير الشهابي الكبير حليف العزيز إلى المعلم حنا البحري في أثناء حصار عكة: «أنا كنت أتعشم وما أزال متعشماً في أفندينا أنه يحارب السلطان محمود لأجل فتح الأقطار الواسعة والأقاليم الشاسعة لا أن يتحصن في جبال الدروز ويحتمي بها»3. ومنها أيضاً ما قاله هذا الأمير نفسه في الرد على أوامر قائمقام الصدارة التي قضت بوجوب التعاون مع عبدالله باشا: قال الأمير لابنه الأمير أمين «إصرف التاتار وقل له عندما تسأل الدولة عن رعاياها تسأل الرعايا عن الدولة» إلى أن قال «يا ولدنا شوفوا أحوال هذه الدولة وضعفها الله يخلصنا منها»4. وهناك طائفة من تصريحات رجال الآستانة موجهة إلى الحكام والأعيان في بر الشام تتهم العزيز بالخيانة والخروج فتجعل تجزئة الدولة هدفه والاستقلال غايته، ولكن هذه التصريحات وهي ضرب من الدعاية التي تكثر في الحرب لا يمكن قبولها لما يعوزها من العدالة. فقد تصدق الحكومات فيما تنشر في مثل هذه الظروف ولكنها لا تنشر كل الحقيقة وهي خاضعة بطبيعة الحال لظروف قاهرة تكرهها على التلفيق والنطق بالباطل.
وهكذا يكون العزيز وهو ذاك الرجل العاقل المتزن قد تطلب ما يمكن تحقيقه أعني السيطرة على الشام بالإضافة إلى مصر والحجاز كي يتمتع بشيء من الاستقرار ويطمئن إلى المستقبل. وهو ما ذهب إليه المسيو ميمو قنصل فرنسه العام آنئذٍ. وأقرب المقربين للعزيز بين
- ↑ تجد النص التركي في كتابنا «أسباب الحملة المصرية على سورية» ص ٥٧ ومعه ترجمته إلى الإنكليزية.
- ↑ إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا ۱۹ شعبان سنة ١٣٦٨ (۱۸۳۳): المحفوظات المصرية أيضاً ج ۲ ص ۲۲۰
- ↑ حنا بحري إلى الباشمعاون ۲۲ رمضان سنة ١٣٦٧ (۱۸۳۲): المحفوظات أيضاً ج ١ ص۲۱۹
- ↑ الفن أنطون الحلبي إلى البطريرك يوسف حبيش ٢ كانون الثاني سنة ١٨٣٢: الأصول العربية لتاريخ سورية في عهد محمد علي باشا – لنا أيضاً - ج۱ ص۹۸