فإن إبراهيم كتب إلى والده عند بدء الحصار يقول: «إن أحوال عبدالله باشا وأعماله تدل في الغالب على الطيش وقلة التبصر والجنون إلا أن عمله في هذه المسألة يدل على مهارة وحذق عظيمين. فإنه أحرج عساكره بحيث لا يتجرأ أحد منهم أن يكاشف زميله بما يعلم أو يعتقد وبالتالي فانه ليس لدينا لاستمالة هؤلاء سوى إظهار قوتكم القاهرة وعظمتكم الباهرة»1. وكان العزيز في هذه الفترة يلح على ابنه بوجوب استغواء كبار الرجال في عكة بالمال فيقول إن الحكومات تستولي تارة بقوة السواعد وتارة أخرى بقوة النقود فيجيب قائد الجيش أنه لم يسمع قط أن الحكومات افتتحت القلاع بالنقود2. وحاول العزيز نفسه أن يطمئن جنود عبدالله باشا باستعداده لدفع جماكيتهم وأن يستميل قادتهم بالمال والأمان ولكن دون جدوی3.
وبعد أن وصل إبراهيم يكن باشا بمعظم الرجال إلى حيفا وتم إنزال العتـاد إليها أمر القائد الأعلى بالزحف على عكة. ولدى وصوله إلى سهلها جعل البهجة مقراً له وركز ميمنته بين البهجة والبحر وميسرته بين البهجة ونهر النعمين. ثم أمر بحفر الخنادق بالقرب من عكة نفسها4 - خنادق النار بلغة ذلك العصر. وفي الثامن من كانون الأول بدأ قصف القلعة من البر والبحر معاً فأطلق الأسطول المصري وحده ما بين التاسعة صباحاً والرابعة بعد الظهر ستين ألف طلقة5 فتهدم السور البحري في عدة نقاط وتزعزع عدد كبير من البيوت في القسم الغربي من البلدة. وأدى القصف من البر إلى نتيجة مماثلة فثلم السور الخارجي وظهر خلله في نقاط كثيرة ولكن الجيش لم يتمكن من تسلق الأسوار في النقاط المثلمة نظراً لعدم توفر الأكياس والسلال والأعشاب لديه. وتكرر قصف عكة في الشهر نفسه ولكن دون جدوى للأسباب نفسها ولكثرة تهاطل المطر الذي أوقف القصف مراراً وأفسح المجال لعبدالله باشا ورجاله أن يصلحوا ما خربته المدافع. وهب العزيز يتلافى ما لمسه من نقص فطلب مهندسين عسكريين من إيطالية وفرنسة.
- ↑ إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا - رجب سنة ١٣٨٧ (۱۸۳۱): المحفوظات ج۱ ص ۱۳۷
- ↑ الرسالة نفسها.
- ↑ محمد علي باشا إلى أسعد بك طوقان ١٩ جمادى الآخرة سنة ١٢٦٧ (۱۸۳۱): المحفوظات ج ١ ص ۱۳۱: يرسل إليه كتاب الأمان لأخيه مصطفى بك الذي كان داخل عكة ولرئيس المدفعية فيها.
- ↑ كادالفان وبارو ص ٧٣-٧٥ وصل إبراهيم يكن باشا إلى حيفا في ٢٥ جمادى الآخرة (٢٢ تشرين الثاني) - المحفوظات ج۱ ص ۱۳۲
- ↑ تاريخ حروب محمد علي وابنه البحرية للأميرال دوراتفيل ج٢ ص ٦٣-٦٤
٥ - بشير بين السلطان والعزيز