صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/81

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٧٥
الفصل الرابع: العزيز والسلطان

من قبلها وقالت من يريد أن يفاوضنا بشيء فليأت إلينا إلى القلعة1. فأمر إبراهيم باشا بإعادة الكرة عملاً بتوصية والده فأرسل تاتاره إلى عكة يحمل إنذاراً أخيراً. ولكن عبدالله باشا رفض قائلاً لم يمض على الحصار سوى بضعة أشهر وبإمكاننا أن نتابع الدفاع بضعة سنين فلننتظر خمس سنوات أخرى! فأمر إبراهيم بقصف القلعة طيلة ذلك الليل وبينما كانت المدافع تطلق نيرانها قام المهندسون العسكريون بحفر الخنادق قرب الأسوار وبنصب المدافع اللازمة ونقل السلالم وما إلى ذلك. وفي صباح اليوم التالي - ۲۷ أيار ۱۸۳۲ بدأ هجوم عام فقامت كتيبة من ألاي المشاة الثاني إلى الثغرة في برج الباب وكتبية ثانية من الألاي نفسه إلى ثغرة في برج النبي صالح وثالثة من الألاي نفسه أيضاً إلى ثغرة برج الزاوية وقامت كتيبة من ألاي المشاة العاشر إلى برج كريم لتسلق جدرانه. وأبقى إبراهيم كتيبتين من الألايين الخامس والعاشر تحت تصرفه ليدفع بها إلى برج الزاوية عند اللزوم ووضع تحت تصرف إبراهيم يكن باشا الكتيبة الرابعة من ألاي المشاة الثاني لتدعم الهجوم على برج الباب. ورأى إبراهيم أن يلقي خصمه في أقصى ميسرته في برج كريم أولاً فيضربه ضربة قاصمة في القلب في برج الزاوية وقامت كتيبة ألاي المشاة العاشر تتسلق جدران برج كريم فأصلتها الحامية ناراً حامية أدت إلى إصابات كثيرة غير منتظرة. ولكن كتائب الألاي الثاني نجحوا في مهمتهم بادئ ذي بدء في برج الباب وبرج النبي الصالح وما أن فعلوا حتى هب إبراهيم بجنوده إلى برج الزاوية فركز قوته فيه. وعندئذ تحولت نيران بعض مدافع السور الخارجي فبدأت تنصب على استحكامات السور الداخلي وبرج الخزنة والبلدة. وعندئذ برز عبدالله باشا نفسه إلى الميدان وبـدأ هجوماً معاكساً مستهدفاً قوات خصمه في برج الزاوية بصورة خاصة فصادف بعض النجاح ولكن خسائره في الرجال اضطرته إلى التراجع إلى السور الداخلي. وعند الخامسة مساء نجح إبراهيم نفسه على راس كتابية من الألاي العاشر في تسلق السور الخارجي بين برج الباب وبين «مدورة الإنكليز» في أقصى ميمنة خصمه واستقر في خان الجناين وكان السر عسكر في أثناء هذا كله في طليعة جنوده يشرف على تسور الأسوار ممتشقاً حسامه مشجعاً جنوده بشجاعته فكان لوجوده أشد الأثر في ضراوة القتال.

وما أن بدأ الليل يسدل ستاره حتى خرج أعيان البلدة يلتمسون الرحمة وبعد قليل خرج وفد آخر مؤلف من مفتي البلدة وإمام واليها وبعض رؤساء المدفعية يطلبون الأمان للباشا وللحامية، فأمن رجال الحامية على نفوسهم وأموالهم وبلغ منه أن سمح لهم بأن يحتفظوا


  1. إبراهيم يكن باشا إلى محمد علي باشا ١٠ ذي الحجة من السنة نفسها: المحفوظات ج۱ ص۲۹٥