صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/98

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٩٢
بشير بين السلطان والعزيز

۳ - موقف الدول: وكانت الدول لا تزال ترقب الأحوال عن بعد. ولكن لما كسب العزيز الواقعة واشتد هرع السلطان بدأت هذه الدول تتسلل حتى إذا ما ظهرت روسية في الميدان بمفردهـا أوجست الدول خيفة وبدأ ساستها يتكلمون. ووافق ظهور الأسطول الروسي في مياه البوسفور وصول سفير فرنسا الجديد الأميرال روسان. وكان هذا مستقل الرأي صريحاً معجباً بنفسه قليل الخبرة في السياسة. فثار ثائره لظهور هذا الأسطول وتسرع في عمله فبدأ بإن تعهد لدى الحكومة العثمانية بأن يقبل محمد علي شروط الصلح التي نقلها إليه خليل رفعت باشا وفي مقابل هذا يتعهد الباب العالي برفض المساعدات الأجنبية1. واتبع هذا بشرع آخر ذلك أنه كتب إلى العزيز كتاباً جافاً قال فيه: «إن إصرارك وادعاءاتك ستجر على رأسك عواقب وخيمة أرجو أن يردعك الخوف عنها. وإن فرنسة ستتمسك بالتعهدات التي أبرمتها وإن لها القوة وأنا ضمين صدق أرادتها. وإني أرجو ألا تضطرنا لاستعمال القوة ضد مملكة نحن من مشيديها. فقام قنصل فرنسة في الإسكندرية المسير ميمو والبارون ده بو الكونت يخففان من وطأة هذا ثم كتب العزيز يرفض رفضاً جميلاً: «اسمح لي يا سيدي أن اسألك بأي حق تطلب مني تضحية نفسي. إن الشعب معي. وما علي إلا أن أرفع إصبعي فأثير الثورات في الرومللي والأناضول. وما دام الشعب معي ففي مقدوري أن أعمل كل شيء. وإن دعوتك لي بأن اتخلى عن الأقاليم التي أحتلها هي بمثابة حكم بالإعدام غير إني واثق أن فرنسة وإنكلترة لا تبخلان بالإنصاف»2. فعاد الأميرال إلى رشده بطلب المستطاع الذي يمكن تحقيقه فبدأ ينصح إلى الباب العالي بإجابة طلب العزيز.

وكان الكونت بالمرستون كما أشرنا سابقاً قد تردد في أعماق نفسه فيما إذا كان قيام دولة فتية في مصر والشام أقرب لمصالح بريطانية من الاستبقاء على الدولة العثمانية بكاملها أم لا فالتزم حياداً كان أقرب لمصالح العزيز منه لمصلحة السلطان، ولكن انهيار الدفاع العثماني وتقدم العزيز إلى كوتاهية وتدخل روسية ذاك التدخل الفعلي نزع عن قضية العزيز صبغتها المحلية وجعل منها قضية دولية لا بد من معالجتها كي لا يتفاقم شرهـا. وهكذا فإننا نرى الوزير البريطاني يعين في كانون الثاني من السنة ١٨٣٣ الكولونيل كامبل قنصلاً عاماً ومعتمداً سياسياً لدى حكومة العزيز ويطلب إليه أن يؤكد للعزيز أن حكومة جلالته


  1. تاريخ مصر السياسي لمحمد رفعت بك ص ۱۹۲
  2. المرجع نفسه ص ۱۹۲-١٩٤