صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/113

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٢٢٧
الفصل الخامس عشر: العمران

إحياء الكنيسة عن طريق تجريدها من بعض العقائد والطقوس والعودة بها إلى بساطة الكتاب المقدس فأوفدت لجنة الإشراف على الإرساليات الأجنبية جماعة من المبشرين إلى بيروت وفي طليعتهم لاوي بارسنس وبلينيوس فسك. وصل هذان إلى بيروت في السنة ١٨١٩ واستقاما فيها. وما أن باشرا أعمالها في الأوساط الأرثوذكسية والمارونية حتى لمسا جفاء لا حد له ما لبث أن انقلب إلى عداء بغيض واضطهاد شديد إدى إلى وفاة أحد اتباعهما أسعد يوسف الشدياق وإلى دخول أخيه فارس في دين الإسلام. فأيقنا أن لا مفر من إنشاء كنيسة إنجيلية مستقلة وأن لا بد من تعليم الصغار والأحداث وإعداد نشء جديد. وكان قد لحق بهما كل من يوناس كنغ وإسحق برد ففتحوا مدرسة للذكور وأخرى للبنات. وفي السنة ١٨٣٤ استقدموا مطبعتهم العربية من مالطة وأقاموها في بيروت. وفي السنة ١٨٤٨ أنشأوا مدرسة عاليـة لتعليم الذكور في عبيه برئاسة إسحق برد فنالت شهرة كبيرة.

وقامت رومة وقعدت لوصول هؤلاء إلى لبنان فأوعزت إلى العازاريين واليسوعيين أن يهتموا للأمر وأناطت أمر الدفاع عن الكثلكة في الشرق. ففتح الأب فروماج العازاري مدرسة عينطورة سنة ١٨٣٤ وأنشـأ اليسوعيون مدرسة للذكور في بيروت سنة ١٨٤١ وفي السنة ١٨٤٣ حول أحدهم الأب بلانشه دار الأمير حسن الشهابي في غزير إلى مدرسة إكليريكية لجميع الطوائف الكاثوليكية في الشرق على الرغم من تعليمات رومه الأولى التي قضت باهتمام خاص بطلبة الروم الكاثوليك الإكليريكيين. وفي السنة ١٨٤٥ أنشأ الأب بلانشه نفسه رهبانية مار يوسف للراهبات في بكفيا وتلاه الأب ريكادونه فنظم رهبانية راهبات المحبة في معلقة زحلة في السنة ١٨٤٧. فخدمن العلم والدين بتربية الصغيرات في القرى المهملة.

وأدى هذا الاحتكاك بالغرب إلى تطور مادي كبير. فراجت سلع الغرب ومنتوجاته الصناعية وأقبل الناس على شرائها واستعاضوا بها عما كانوا يصنعون. فعلت البفتة البيضاء (عنبركيس) محل الأنسجة القطنية اليدوية القديمة والجوخ الأوروبي محل الصوف المحلي وبدأت حرائر فرنسة تستغوي النساء فيستعضن بها عما كان ينتج محلاً في حلب وحمص ودمشق. وكانت أزياء الرجال والنساء غريبة مستغربة أليق بالمراسح منها بالبيوت تشبه ملابس الأكراد بعمائمها وسراويلها وقنابيزها المفقشة وطرابيشها المشموطة وزرابيلها المقيطنة. وكان الرجال يلبسون القميص على أبدانهم ثم السروال القطني المصبوغ والمنتيان. ثم يضعون العمة على رؤوسهم ويتباهون بحجمها. ويحتذون المـداس من السختيان الأحمر ونعله من جلد البقر وقليل من جلد الجمل. وكان لباس الشبان سروالاً من المقصور الأبيض وقميصاً ومنتياناً وفوقه