صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/115

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٢٢٩
الفصل الخامس عشر: العمران

الأولى في بر الشام. وكان قد استقدمها قنصل إنكلترة في دمشق المستر فرن فوصلت إلى بيروت آتية من لندن وحملت على ظهور الجمال إلى دمشق. وما أن جرى تركيبها من جديد وكرت بها الخيول في خارج البلدة حتى خرج الألوف من الناس للتفرج عليها.

أثر الشرق المجاور: واضطرب الأتراك لمصيرهم وانزعجوا فهبوا يحاولون محاربة الغرب بسلاحه وأخذوا عنه أشياء وأشياء في فنون الحرب وما تطلبته من علوم. وكان سليم الثالث من أفضل ملوكهم دمث الأخلاق مغرماً بالآداب محباً لترقية شعبه ورعاياه. ثم صار الملك إلى ابن عمه مصطفى الرابع فلم يملك أكثر من سنة. وقام بعـده أخوه محمود الثاني فطالت مدته (۱۸۰۸-١٨٣٩) وكان كسليم هائماً بترقية شعبه ساعياً لإنجاحه. فنقلت الكتب من اللغات الإفرنجية إلى التركية وعززت الطباعة في الآستانة فطبع من المراجع العربية نيف وأربعون كتاباً منها المحيط للفيروزبآدي وحاشية السيلكوتي على مطول التفتراني ومراح الأرواح لأحمد بن علي بن مسعود وعدد من كتب النحو والصرف وكافية ابن حاجب وغيرها1. وشعر بعض الولاة بواجبهم في هذا المضمار أو حدث مطامعُهم الشخصية فهبوا ينفخون ببوق الإصلاح أو يحاولون شيئاً منه. وبين هؤلاء يوسف كنج باشا في دمشق وسليمان باشا وعبدالله باشا في عكة الذي أوجب التعليم الإجباري في أحد مراسيمه إلى متسلم بيروت2. ومنهم أيضاً سليمان باشا القتيل أول من أيقظ العلوم والمنتمين إليها في العراق فأنشأ في بغداد مدارس عدة وخلفه داود باشا الذي اقتفى أثره فأيقظ العراق بعد سبات عمیق3.

وكان ما كان من أمر العزيز وبعد نظره وطموحه ورحابة صدره وقد أشرنا إليه فلا مجال لإعادته هنا. وإنما لا بد من الإلماع إلى قرب مصر من الشام وكثرة الشوام في دمياط والقاهرة والإسكندرية وغيرها من مدن القطر الشقيق وعدم انقطاعهم عن بلدهم الأم وإلى اتساع التجارة بين البلدين وتوطدها وثباتها. فالبلدان آنئذٍ تکاملا بتجارتهما فصدرت مصر إلى الشام أرزها وقمحها وتمرها وسمسمها وسمكها المجفف وماء وردها وصوفها وحصرها واستوردت من بر الشام حريره وقطنه ونيلته وزيتونه وزيته وصابونه وتبغه وشمعه وعصفره


  1. تاريخ الدولة العثمانية لفون هامر ج ١٦ ص ٤٩٢-٥٠٧ وفيه جدول بهذه المطبوعات.
  2. المحفوظات اللبنانية: ملف التعليم والمدارس.
  3. اطلب لغة العرب ج ١ ص ۹۸