صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/34

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٤٨
بشير بين السلطان والعزيز

وفي أواخر حزيران وبعد شفاء قنصل روسية من مرض ألم به انتهز العزيز فرصة وجود القنصل عنده فأبدى له رغبته هذه في الاستقلال ورجاه أن يرفعها إلى القيصر. ومما قاله لهذه المناسبة ما يلي: لقد اخترت ودنوت من النهاية وأخذت الهموم مني كل مأخذ فهنالك مستقبل عائلتي وثمرة جهود حياتي. ومنذ أن انتابني المرض في المرتين الأخيرتين عادت همومي هذه إلي فهي لا تفارقني لحظة واحدة وتكاد تقضي على صحتي، ولذا فإني جئت أصارح الدول العظمى راجياً توسطها. فإذا عاونتني في ذلك نجحت في مفاوضاتي وغدوت مستعداً لبذل ما تفرضه عليَّ من المال لقاء تخلصي، فإن هي صدتني وتركتني وشأني لجأت إلى حل معاكس لرغباتي إذ أعلن انفصالي وأبقى مستعداً للدفاع عن النفس في حال هجوم يقع علي من جانب السلطان. فليرأف جلالة القيصر بهذا الشيخ السبعيني ذي اللحية البيضاء وليتفضل بكلمة في صالحي مع جلالة السلطان1.

وحوالي الخامس عشر من تموز ورد الرد الفرنسي فنقله المسيو كوشيلي القنصل العام إلى العزيز بنفسه مبيناً رفض حكومته لمقترحات العزيز معلناً تفاهمها مع الحكومة البريطانية واستعدادها لإرغام العزيز على القيام بواجبه تجاه سيده2. وفي اليوم الثاني من آب من السنة نفسها وصل جواب الحكومة البريطانية فحمله قنصلها العام الكولونيل كامبل إلى العزيز ثم أطلع زملاءه قناصل الدول الأربع على نصه. وخلاصة هذا الرد أنه إن أقدم العزيز على ما أنذر به جلب العار على نفسه والفقر إلى ذويه وأنه في حال قيامه بأعمال عدائية ضد سیده سيجد نفسه مضطراً لمحاربة الدول بأجمعها3. وفي أواخر هذا الشهر نفسه نقل الكونت ألكسيس ميدم قنصل روسية العام رد حكومته فأكد للعزيز أن الدول بأجمعها لن ترضى عن عمله وأن روسية لن تتدخل فعلياً إلا بطلب من السلطان وبعد أن يثبت لديها أن العزيز هو المعتدي وأن بروسية تبنت الموقف نفسه فشجبت رغبة العزيز وأعلنت استعدادها للتعاون مع سائر الدول ذوات العلاقة4. وكتب البرنس مترنيخ بمثل ما تقدم فأوجب ألا يتعكر صفو السلام في أوروبة. أما العزيز فإنه ترك مسؤولية ما يقع من الحوادث على عاتق الدول وسافر إلى السودان في طلب الذهب.


  1. ميدم إلى نسلرود: ۲۸ حزيران سنة ١٨٣٨ المحفوظات الروسية في مصر ج ٣ ص ۱۳۱-۱۳۲
  2. ميدم إلى نسلرود: ۱۷ تموز سنة ١٨٣٨ المحفوظات نفسها ج ۳ ص ۱٥٤
  3. المصدر نفسه ج ۳ ص ١٦٩-۱۷۰
  4. المصدر نفسه ج ۳ ص ۱۹۲-۲۰۲