يعني «المنسِّق»، ويرد النقاد الإلياذة إلى القرن التاسع، والأوذيسيه إلى آخر هذا القرن التاسع والنصف الأول من القرن الثامن، فإذا حكمنا على هذا العصر بالقصائد الهوميرية وضعناه في مرتبة دنيئة من مراتب الفكر؛ لما نجد فيها من سذاجة في تصور الطبيعة والإنسان، ومن إسراف في تأنيس الآلهة واستهتار بالأخلاق ليس له مثيل.
ب — أما الطبيعة فهي عند هوميروس حية مريدة وقد يكون هذا متابعة للتصور المعبر عنه بالبدائي كما يريد بعض المؤلفين، ولكنه على أي حال مألوف في الشعر إلى أيامنا، فلا غرابة في قوله مثلاً : إن نهر زونتوس استشاط غضبًا؛ لأن أخيل ملأه بالجثث — ولا في تشخيصه الليل والظلمات والموت والنوم والحب والشهوة والعماية — بل لا غرابة في تأليهه الأرض، وقوله: إنها ولدت الجبال الشاهقة والسماء المزدانة بالكواكب، ثم تزوجت من السماء المحيطة بها من كل جانب فولدت أقيانوس والأنهار، وأن أقيانوس المصدر الأول للأشياء، فعندنا أن الأساطير القديمة في جملتها رموز تخفي وراءها مقاصد علمية إذا ترجمناها إلى لغتنا المعهودة بدت واضحة مقبولة، وأخطر من ذلك تصور الآلهة والمبادئ الخلقية، فالآلهة في قمة الأولمب يؤلفون حكومة ملكية على رأسها تزوس ويجيء من بعده سائر الآلهة والإلهات وكلهم في صورة بشرية، إلا أن سائلاً عجيبًا يجري في عروقهم فيكفل لهم الخلود، وهم أقوى من الأبطال وأسرع حركة، يظهرون للناس أو يختفون كما يشاءون، يسكنون قصورًا في السماء فخمة يقضون فيها حياة ناعمة في ربيع مقيم يأكلون ويشربون ويتزاوجون، تجرحهم السهام والرماح فيألمون وينتحبون، وهم حادثون، وجدوا في الزمان، وما يزالون خاضعين لتعاقب الأيام، وهم على مثل هذا النقص من الناحية الخلقية لهم شهواتهم وعصبياتهم، يتفرقون أحزابًا ويتدخلون في منازعات البشر، يؤيد بعضهم اليونان، ويناصر