علة حقًّا شيء، وما بدونه لا تصير العلة علة شيء آخر.١ والعلة الحقة عاقلة تلحظ معلولها قبل وقوعه وترتب الوسائل إليه، فإن شيئًا لا يفعل إلا إذا قصد — أو قُصد به — إلى غاية، والغاية لا تتمثل إلا في العقل، وعند هذه الصخرة يتحطم كل مذهب آلي، ولما كان «الموجود الوحيد الكفء للحصول على العقل هو النفس،٢ كانت العلل العاقلة نفوسًا تتحرك حركة ذاتية، وكانت المادة شرطًا لفعلها أو علة ثانوية خلوًا من العقل تتحرك حركة قسرية وتعمل اتفافًا، إلا أن تستخدمها العلل العاقلة وسيلة وموضوعًا وتوجهها إلى أغراضها،٣ والنفس غير منظورة بينما العناصر والأجسام جميعًا منظورة،٤ فيبلغ أفلاطون من هذا الطريق إلى عالم معقول يصفه بأنه إلهي؛ لاشتراكه في الروحية والعقل، ولكنه يعين فيه مراتب ويضع في قمته الله.
(ب) يبرهن أفلاطون على وجود الله من الوجهتين المتقدمتين: وجهة الحركة ووجهة النظام، فمن الوجهة الأولى يقرر أن الحركات سبع: حركة دائرية، وحركة من يمين إلى يسار، ومن يسار إلى يمين، ومن أمام إلى خلف، ومن خلف إلى أمام، ومن أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى، وحركة العالم دائرية منظمة لا يستطيعها العالم بذاته، فهي معلولة لعلة عاقلة، وهذه العلة هي الله أعطى العالم حركة دائرية على نفسه وحرمه الحركات الست الأخرى وهي طبيعية، فمنعه من أن يجري بها على غير هدى.٥ ومن الوجهة الثانية يقول: إن العالم آية فنية غاية في الجمال، ولا يمكن أن يكون النظام البادي فيما بين الأشياء بالإجمال