بالضراعة إلى إلهات الشعر أن توحي إليه ما كان وما هو كائن وما سيكون، وأن تعلن قوانين الأشياء جميعًا، ثم مضى يسلسل الأشياء والآلهة في ترتيب يدل على أنه راعى ما بينها من علاقات العلية، وتدرج إلى النظام، ومبدؤه أن الأصغر يخرج من الأكبر، فأخرج الجبال من الأرض والأنهار من أقيانوس وهكذا إلى آلهة الأولمب وهم آخر المواليد على اعتبار أن القوى الطبيعية سابقة على الآلهة المكلفين بتدبيرها1، فهذا الديوان يعد أول محاولة في العلم الطبيعي بالرغم من أن نصيب المخيلة فيه أكبر من نصيب العقل، وأن الشاعر يروي ولا يفسر، فإن القصص الرمزي كان مألوفًا عند الأقدمين، ونبغ غير واحد من هؤلاء الشعراء والكتَّاب الذين يدعوهم أرسطو باللاهوتيين؛ لمعالجتهم العلم في صورة الأسطورة.
٤ — الحكماء
أ — ولما كان القرن السابع اشتدت الخصومات السياسية بين اليونان، وقويت حركة التوسع الاستعماري والتنظيم الاجتماعي، ونبغ فيهم رجال معدودون أشهرهم «الحكماء السبعة» على ما هو متواتر، ولو أن القدماء اختلفوا في عددهم وأسمائهم، ومنهم على كل حال سولون المشرع المعروف (٦٤٠–٥٥٨) وطاليس أول الفلاسفة، هؤلاء الحكماء كان مقصدهم الأكبر إصلاح النظم والأخلاق، وقد ذكر أفلاطون بعض حكمهم فإذا هي عبر عملية استخرجوها من تجاربهم الشخصية وصاغوها في عبارات موجزة ذهبت أمثالًا، قال: «واجتمعوا في دلف وأرادوا أن يقدموا لأبولون في هيكله بواكير حكمتهم فاختصوه بالآيات التي يرددها الناس الآن مثل: «اعرف نفسك» و«لا تسرف» و«الصلاح عسير».»2 فكانوا مصلحين ومشرعين ولم يكونوا فلاسفة بمعنى الكلمة، وشاع