يعرف للأرض اسم كان المحيط وكان البحر.» وجاء في قصة مصرية: «في البدء كان المحيط المظلم أو الماء الأول حيث كان أتون وحده الإله الأول صانع الآلهة والبر والأشياء.» وجاء في التوراة: «في البدء خلق الله السموات والأرض وكانت الأرض خاوية خالية وعلى وجه الغمر ظلام وروح الله يرف على وجه المياه.» ويعادل هذه الأقوال قول علمائنا الآن: إن تكوين العالم بدأ منذ أن تحولت الأبخرة الأولى ماء، ولكن طاليس يمتاز بأنه دعم رأيه بالدليل فقال1: إن النبات والحيوان يغتذي بالرطوبة، ومبدأ الرطوبة الماء، فما منه يغتذي الشيء يتكون منه بالضرورة، ثم إن النبات والحيوان يولد من الرطوبة، فإن الجراثيم الحية رطبة وما منه يولد الشيء فهو مكون منه، بل إن التراب يتكون من الماء ويطغى عليه شيئًا فشيئًا كما يشاهد في الدلتا المصرية وفي أنهر أيونية؛ حيث يتراكم الطمي عامًا بعد عام، وما يشاهد في هذه الأحوال الجزئية ينطبق على الأرض بالإجمال فإنها خرجت من الماء وصارت قرصًا طافيًا على وجهه كجزيرة كبرى في بحر عظيم وهي تستمد من هذا المحيط اللامتناهي العناصر الغاذية التي تفتقر إليها فالماء أصل الأشياء.
جـ — وثَمة قول آخر يذكره له أرسطو هو «أن العالم مملوء بالآلهة»2 ويغلب أن يكون معناه أنه مملوء بالأنفس؛ أي إن كل فعل إنما هو من النفس، وأن النفس منبثة في العالم أجمع فتكون المادة حية ويكون الماء المؤلفة منه الأشياء حاصلًا على قوة حيوية حاضرة فيه دائمًا وإن لم تظهر دائمًا، ويشترك في هذا الرأي الطبيعيون الأولون الذين نتكلم عنهم؛ لذلك دُعوا «هيلوزويست»
أي أصحاب المادة الحية، ومما يؤيد هذا التأويل عبارة منسوبة لطاليس ويوردها