يتكرر إلى ما لا نهاية، والقول الأول وليد المخيلة تأبى أن تتمثل حدًّا للمادة وخلاء ليس فيه شيء، والقول الثاني قديم ربما نشأ من النظر في حركات الأفلاك تتجدد باستمرار وتأيد بتحول الأجسام بعضها إلى بعض وتداول الفصول وهو على كل حال يعني ضرورة مطلقة وقانونًا كليًّا يسيطر على الوجود ويفسر كيف أن الوجود لم يبدأ ولن ينتهي — وهذه عقيدة شائعة بين فلاسفة اليونان — يسميها الإسلاميون بالدهرية؛ لقولها: إن الدهر دائر لا أول له ولا آخر، غير أن أنكسيمندريس مع إنكاره على طاليس أن يكون المبدأ الأول شيئًا معينًا قد وضع مبادئ عديدة معينة هي هذه الأضداد الموجودة في اللامتناهي دون أن يبين أصلها، أليست هي المبادئ الحقيقية؟ أوليس اللامتناهي حالة اختلاطها وتعادلها؟ فلا يصح أن يسمى مبدأ بالمعنى الذي فهمه طاليس؛ أي ما منه تتكون الأشياء؛ لكنه مبدأ باعتباره نقطة بداية التطور العام — وهذه نظرة علمية، فالمسألة الفلسفية ما تزال قائمة.
٩ – أنكسيمانس
أ – هو تلميذ أنكسيمندريس وأقل منه توفيقًا في العلوم، وأضيق خيالًا، عاد إلى رأي طاليس في الأرض؛ فاعتقد أنها قرص مسطح قائم على قاعدة، وأنكر حركة الشمس ليلًا تحتها، واستبدل بها حركة جانبية حولها، وعلل اختفاء الشمس من المساء إلى الصباح بأن جبالًا شاهقة تحجبها عن الأنظار من جهة الشمال، أو بأنها أبعد عن الأرض في الليل منها في النهار، وقد كان مثل هذا القول معروفًا عند المصريين، واشتغل بالظواهر الجوية، ولا يلوح أنه أفاد العلم من هذه الناحية.
ب – وعاد إلى موقف طاليس أيضًا في مسألة المادة الأولى فقال: إنه