جميعًا عقائدها وتعابيرها كأصول يحاولون ترجمتها ترجمة عقلية والبرهنة عليها.
١٢– فيثاغورس وفرقته
أ– نشأ فيثاغورس في ساموس، وكانت جزيرة أيونية مشهورة ببحريتها وتجارتها، وتقدم الفنون فيها، طَوَّفَ في أنحاء الشرق، ولما ناهز الأربعين قصد إلى إيطاليا الجنوبية، وكان المهاجرون اليونان قد بلغوا فيها درجة عالية من المدنية والثقافة، ونزل ثغر أقروطونا؛ حيث كانت مدرسة طبية شهيرة، وما لبث أن عرف بالعلم والفضل، فطلب إليه مجلس الشيوخ فيما يذكر أن يعظَ الشعبَ ففعل فذاع اسمه وأقبل عليه المريدون من مختلف مدن إيطاليا وصقلية، وحتى من روما؛ فأنشأ فرقة دينية علمية تشبه الأرفية، أو هي أخذت عنها، ثم أثرت فيها، وكانت فرقته مفتوحة للرجال وللنساء من اليونان والأجانب على السواء؛ يعيش أعضاؤها في عفة وبساطة بموجب قانون ينص على الملبس، والمأكل، والصلاة، والترتيل، والدرس، والرياضة البدنية؛ فكانوا منظمين تنظيمًا دقيقًا يصدعون بما يؤمرون غير ناظرين إلا إلى «أن المعلم قد قال»، وكان المعلم متشبعًا بعاطفة دينية قوية ومقتنعًا بفكرة جليلة هي أن العلم وسيلة فعالة لتهذيب الأخلاق وتقديس النفس؛ فجعل من العلم رياضة دينية إلى جانب الشعائر، ووجه تلاميذه هذه الوجهة؛ فاشتغلوا بالرياضيات، والفلك، والموسيقى، والطب، وشرح هوميروس وهزيود.
ب– وكان طبيعيًّا من هذه الجماعة المثقفة المتضامنة الرامية إلى الإصلاح في بلد حديث خلو من التقاليد، كثير التقلبات الديموقراطية، أن تفكر في السياسة وتميل إلى نظام أرستقراطي يقر الأمور في نصابها فتؤثر من هذه الناحية أيضًا فيمن ينتمي إليها من الحكام والأهلين؛ بل تتحول إلى هيئة سياسية وتتولى