الحكم بنفسها، وهذا ما حدث في أقروطونا وغيرها من المدن الإيطالية في ظروف لم تصل إلينا أخبارها؛ غير أن الشعب والأعيان المبعدين عن الحكم لم يرضوا عن هذا الانقلاب، وما زال المعارضون يعملون في الخفاء حتى تألبوا ذات يوم على الدار التي كان زعماء الفرقة مجتمعين فيها فأحرقوها؛ ولم ينجُ من الفيثاغوريين سوى اثنين، أما فيثاغورس فقد قيل: إن حملات أعدائه اضطرته للهجرة فاعتزل في ميتابونتس ومات هناك قبل الثورة، وقيل: بل كان في أقروطونا ولكنه كان متغيبًا عن مركز الجمعية يوم الحريق فاستطاع أن ينجو بنفسه، وذهب إلى لوقريس ثم إلى ترنتا، وأخيرًا إلى ميتابونتس وقضى فيها بعد أن صام أربعين يومًا، وشبت الثورات على أنصاره في مختلف المدن فثبتوا لها في مدينتي رچيوم وترنتا، وعبر البحر إلى القارة اليونانية من خذل منهم؛ فقصد فريق إلى طيبة، وآخر إلى فليونتس، ولما تعاظم شأن أثينا قدمها نفر منهم، فكان لهم أثر خطير في الفلسفة والعلوم، ثم تلاشت الجمعية في عهد أفلاطون (حوالي سنة ٣٥٠) ولم يبقَ منها سوى أفراد تناقلوا تعاليمها فكانوا حلقة الاتصال بين هذا العصر وعصر ثانٍ بدأ في منتصف القرن الأول قبل الميلاد، واستمر إلى القرن الرابع بعده.
جـ– هذا ما يقال بالإجمال عن فيثاغورس وفرقته، وليس من المستطاع زيادة البيان دون الاستهداف للخطأ؛ فإن آثار رجال العصر الأول قد فقدت جميعًا، وكل ما ينسب لفيثاغورس من «أشعار ذهبية» ومن «كتب ثلاثة» (المهذب والسياسي والطبيعي) فهو منحول يرجع إلى العصر الثاني، كذلك الكتب المعزوة لتلاميذه الأولين (وأشهرهم فيلولاوس) منحولة أو مشكوك فيها إلى حد كبير، أما أقوال الفيثاغورية الجديدة عن المدرسة القديمة فيجب أن تقابل بغاية الحذر لما فيها من ميل ظاهر إلى الغريب الشاذ ومن تأويل شخصي، يزاد على ذلك أنها تضيف للفيثاغورية الأولى أفكارًا وأمورًا لم تعرف إلا بعدها؛ منها: الأفلاطوني