صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/35

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ٢٩ –

نقلوا عن أنكسيمندريس وبالأخص عن أنكسيمانس فتصوروا العالم كائنًا حيًّا — حيوانًا كبيرًا — يستوعب بالتنفس خلاء لا متناهيًا فما وراء العالم هو عبارة عن هواء غاية في اللطافة، ضروري للفصل بين الأشياء وتمييزها بعضها من بعض، ومنعها من أن تتصل فتكوِّن شيئًا واحدًا،1 وقالوا بعوالم كثيرة ولكن في عدد متناه، وجعلوا الأشياء تحدث بالتكاثف والتخلخل لا بتحول بعضها إلى بعض؛ لأن الأعداد نظام ثابت متجانس، وقالوا بالدور وعودة الأشياء هي بأنفسها في آجال طويلة («السنة الكبرى») إلى غير نهاية، ويروى في هذا الصدد أن أوديموس تلميذ أرسطو قال مخاطبًا تلاميذه: «إذا صدقنا الفيثاغوريين فسيجيء يوم نجتمع ثانية في هذا المكان فتجلسون كما أنتم لتسمعوا إليَّ وأتحدث أنا إليكم كما أفعل الآن».

جـ – أما النفس فقد وصلت إلينا عنهم أقوال متباينة فيها، فنحن نجد عند أفلاطون رأيًا لبعضهم يقول: إن النفس نوع من النغم، ومعنى ذلك أن الحي مركب من كيفيات متضادة (الحار والبارد واليابس والرطب) والنغم توافق الأضداد وتناسبها بحيث تدوم الحياة ما دام هذا النغم وتنعدم بانعدامه،2 وهذه من غير شك نظرية أطباء الفرقة (أو نفر منهم) صدروا فيها عن فكرتهم العامة («العالم عدد ونغم») وخالفوا أمورًا جوهرية في مذهبهم؛ فإن النغم نتيجة توافق الأضداد، فإذا كانت النفس نغمًا لزم من جهة أن ليس لها وجود ذاتي — والفيثاغورية تؤمن بالخلود — ولزم من جهة أخرى أن ليس لها وجود سابق على عناصر البدن — والفيثاغورية تؤمن بالتناسخ3 — على أن أرسطو إذ


  1. أرسطو: السماع الطبيعي م٤ ف٦ ص٢١٣ ع ب س٢٢–٣٠.
  2. فيدون: ص٨٥ (ه)–٨٦ (د).
  3. فيدون: ص٩٢ (أ ب ج).