ب – وامتازوا في علم الفلك وصدروا فيه أيضًا عن اعتباراتهم الرياضية؛ فمضوا يصورون العالم كما شاءت لهم غير حافلين بالواقع، كأنما مهمتهم
تكوين العالم لا تمثيله وتفسيره، فقالوا مثلًا: «إن العدد الكامل هو العشرة؛ لأنه مؤلف من الأعداد جميعًا، وحاصل على خصائصها جميعًا، فيلزم أن الأجرام السماوية المتحركة عشرة؛ «لأن العالم كامل وحاصل على خصائص الكامل»، ولكن لما كان المعروف المنظور منها تسعة فقط (٥٩–ج) فقد وضعوا أرضًا غير منظورة مقابلة لأرضنا إلى أسفل؛ ليكملوا العدد عشرة.»1 كذلك ذهبوا إلى أن مركز العالم يجب أن يكون مضيئًا بذاته؛ لأن الضوء خير من الظلمة، ويجب أن يكون ساكنًا؛ لأن السكون خير من الحركة فليست الأرض مركز العالم وهي مظلمة وفيها نقائص كثيرة، ولكنه «نار مركزية» غير منظورة؛ لأنها واقعة هي أيضًا إلى أسفل أرضنا والمأهول من الأرض في اعتقادهم نصفها الأعلى، ولم يفتهم أن يعينوا لكل من النار المركزية والأرض الأخرى شأنًا في نظام العالم: النار المركزية تمد الشمس بحرارتها فتعكس الشمس الحرارة على الأرضَيْن وعلى القمر، والأرض الأخرى تفسر الكسوف والخسوف بتوسطها بين النار المركزية وبين القمر أو الشمس.2 — ومهما يكن من قيمة استدلالهم فإن تنحيتهم الأرض عن مركز العالم كان ثورة على التصور القديم، وثمة ثورة أخرى هي قولهم بكروية الأرض، ولم يبلغ إلينا سبب هذا القول، وقد يكون أن الدائرة خير الأشكال؛ لكمال انتظام جميع أجزائها بالنسبة للمركز على ما هو معروف عنهم، وبديهي أن الخيال والعاطفة الدينية كانا يجدان غذاء في التصورات التي يوحيانها،