فالفيثاغوريون؛ إذ اخترعوا النار المركزية ووضعوها في وسط العالم مجدوها وأسموها أم الآلهة، وقلعة تزوس والهيكل وموقد العالم والمصدر الأول لكل حياة وكل حركة، على أن المتأخرين منهم لم يترددوا في العدول عن النار المركزية والأرض الأخرى بعد أن بلغ الإسكندر الهند، ولم تظهر لا هذه ولا تلك، وقام واحد منهم هو أرسطرخوس من علماء القرن الثالث، فاستبدل الشمس بالنار المركزية فتم له الرأي المعول عليه الآن، ولكنه لم يصادف قبولًا عند أهل زمانه، فبقي في بطون الكتب إلى أن قرأه كوبرنيكوس في شيشرون فوضع نظريته.
جـ – ومن المأثور عنهم قولهم: إن لحركات الأفلاك نغمات1، وحجتهم في ذلك أن الجسم إذا تحرك بشيء من السرعة أحدث صوتًا هو صوت اهتزاز الهواء أو الأثير، فلا بد أن يكون لحركات الأفلاك في الأثير العلوي أصوات، وتتفاوت سرعة الأفلاك بتفاوت مسافتها كما تتفاوت في العود سرعة الاهتزازات بتفاوت طول الأوتار، فلا بد أن يكون في السماء ألحان كألحان العود، وإن كنا لا نشعر بها فإنما ذلك لأنا نحسها باتصال، والصوت لا يشعر به إلا بالإضافة إلى السكوت، ولا يبعد أنهم كانوا يخرجون من هذا القول إلى مثل ما خرج إليه إخوان الصفاء حيث قالوا: «إذا تفكر ذو اللب تبين له أن في نغمات تلك الحركات لذة وسرورًا مثل ما في نغمات أوتار العيدان في هذا العالم، فعند ذلك تشوقت نفسه إلى الصعود إلى هناك والاستماع لها والنظر إليها، فاجتهد يا أخي في تصفية نفسك وتخليصها من بحر الهيولى وأسر الطبيعة وعبودية الشهوات الجسمانية، فإن هذه هي المانعة لها من الصعود إلى هناك بعد الموت»2.
د – فالفيثاغورية نهضة عظيمة متعددة الوجهات، هي نحلة دينية كانت