كلبًا فأخذته الشفقة فصاح وهو ينتحب: أمسك عن ضربه يا هذا، إنها نفس صديق لي لقد عرفته من صوته».
ج – ويقال بالإجمال إنه ارتفع بعقله فوق حكايات قدماء الشعراء وصرف جهده إلى القول بنظام أسمى من التجربة المحسوسة ومن الرأي العام الجاهل المتقلب، وأهم أقواله: «إن الناس هم الذين استحدثوا الآلهة وأضافوا إليهم عواطفهم وصوتهم وهيئتهم، فالأحباش يقولون عن آلهتهم: إنهم سود فطس الأنوف، ويقول أهل تراقية: إن آلهتهم زرق العيون حمر الشعور، ولو استطاعت الثيرة والخيل لصورت الآلهة على مثالها، وقد وصفهم هوميروس وهزيود بما هو عند الناس موضوع تحقير وملامة، ألا إنه لا يوجد غير إله واحد أرفع الموجودات السماوية والأرضية ليس مركبًا على هيئتنا ولا مفكرًا مثل تفكيرنا ولا متحركًا ولكنه ثابت كله بصر وكله فكر وكله سمع يحرك الكل بقوة وبلا عناء.» هذا كلام قوي في التنزيه والتوحيد، لم يعهد له مثيل في اليونان، غير أن أرسطو يذكر: «أن أكسانوفان نظر إلى مجموع العالم وقال: إن الأشياء جميعًا عالم واحد، ودعا هذا العالم الله ولم يقل شيئًا واضحًا، ولم يبين إن كان العالم عنده واحدًا من حيث الصورة أو من حيث المادة.»1 فكأنه كان حلوليًّا أو كأنه أخذ وحدة الوجود عن فلاسفة وطنه أيونية، وتصور الوجود تصورًا روحيًّا، وعلى أي حال فلعبارته قيمتها في نفسها وهي جديرة أن تجعل منه واضع «العلم الإلهي».
- ↑ أرسطو: ما بعد الطبيعة م١ ف٥ ص٩٨٦ ع ب س٢٠–٢٤، وهذا النص دليل على أن الكتاب «في أكسانوفان ومليسوس وغورغياس» المنسوب إلى أرسطو منحول؛ لأنه يضيف إلى شاعرنا جدلًا دقيقًا في المتناهي واللامتناهي والحركة والسكون لو صح لنقض العبارة المذكورة فوق فضلًا عن أنه بعيد من مزاج الشاعر. والكتاب لأرسطوطالي من أهل القرن الأول للميلاد.