١٦ – بارمنيدس
أ – ولد في إيليا «ويقال: إنه تتلمذ لأكسانوفان»1، ومن المحقق أنه تأثر به فآمن بوحدة الوجود، وضع كتابه «في الطبيعة» شعرًا، فكان أول من نظم الشعر في الفلسفة، وكتابه قسمان: الأول في الحقيقة أي الفلسفة، والثاني في الظن أي في العلم الطبيعي، فإن المعرفة عنده نوعان: عقلية وهي ثابتة كاملة، وظنية وهي قائمة على العرف وظواهر الحواس، فالحكيم يأخذ بالأولى ويعول عليها كل التعويل ثم يلم بالأخرى ليقف على مخاطرها ويحاربها بكل قواه.
ب– والحقيقة الأولى هي «أن الوجود موجود ولا يمكن ألا يكون موجودًا» أما اللاوجود «فلا يدرك؛ إذ إنه مستحيل لا يتحقق أبدًا ولا يعبر عنه بالقول، فلم يَبْقَ غير طريق واحد هو أن نضع الوجود وأن نقول: إنه موجود. والفكر قائم على الوجود ولولا الوجود لما وجد الفكر؛ لأن شيئًا لا يوجد ولن يوجد ما خلا الوجود.» ولما كان الوجود موجودًا فهو قديم بالضرورة لأنه يمتنع أن يحدث من اللاوجود، ويمتنع أن يرجح حدوثه مرجح في وقت دون آخر، فليس للوجود ماضٍ ولا مستقبل ولكنه في حاضر لا يزول وعلى ذلك «يمتنع الكون ولا يتصور الفساد» وينتفي التغير، والوجود والواحد متكافئان فيلزم أن الوجود واحد فقط متجانس «مملوء كله وجودًا» ويلزم أنه ثابت ساكن في حدوده «مقيم كله في نفسه»؛ إذ ليس خارج الوجود ما منه يتحرك وما إليه يسير، وهو كامل متناهٍ أي معين «لا ينقصه شيء»؛ إذ ليس خارج الوجود وجود يكتسب، وهو تام التناهي والتعيين في جميع جهاته؛ إذ لا يمكن أن يكون بعضه أقوى أو أضعف من بعض مثله مثل كرة تامة الاستدارة متوازنة في جميع نقطها،
- ↑ أرسطو: المرجع المتقدم.