الفصل الرابع
الطبيعيون المتأخرون
١٩ – أنبادوقليس
أ – ندرس في هذا الفصل فلاسفة ثلاثة متعاصرين عادوا إلى معالجة المسألة الطبيعية وهم متأثرون بالإيلية والفيثاغورية، يشتركون في القول بأن أصل الأشياء كثرة حقيقية وأنه لا يوجد تحول من مادة إلى أخرى، وإنما الأشياء تأليفات مختلفة من أصول ثابتة، ويفترقون في تصور هذه الأصول وطرائق انضمامها وانفصالها، هؤلاء الفلاسفة هم أنكساغورس وأنبادوقليس وديموقريطس، ولما كان الأول قد تأخر في نشر آرائه عن الثاني مع أنه أقدم منه 1 وكان من جهة أخرى قد عمر بعده، وتفلسف في أثينا واستقرت فيها الفلسفة منذ ذلك الحين إلى زمن طويل، فقد أخرنا الكلام عليه.
ب – نشأ أنبادوقليس في إغريغنتا وكانت من أعظم مدن صقلية عمرانًا، وفي أسرة من أوسع أسر المدينة ثروة ونفوذًا، وكان هو من أنبغ أهل زمانه، اشتهر بالفلسفة والطب والشعر والخطابة، وقال أرسطو: إنه منشئ علم البيان. أشبه فيثاغورس في كثير من النواحي فكان قوي العاطفة الدينية إلى حد ادعاء النبوة بل الألوهية، واستخدم علمه في سبيل الخير فصدق الناس دعواه، وكانوا يتسابقون إليه جماعات جماعات أينما حل «يسأله البعض أن يهديهم طريق الصلاح، ويطلب إليه آخرون أن يكشف لهم الغيب، ويتوسل إليه غيرهم أن
- ↑ أرسطو: ما بعد الطبيعة م١ ف٣ ص٩٨٤ ع ا س١٢.