الأشياء أصولًا ثابتة الماهية وتصور التغير تنقل هذه الأصول، فجاء مذهبه مزاجًا من عناصر مختلفة.
٢٠ – ديموقريطس
أ – ولد في أبديرا من أعمال تراقية، وكانت مدينة غنية بناها فريق من الإيونيين بالقرب من مناجم ذهب، وقد ذكر عن نفسه «أن أحدًا من أهل زمانه لم يقم بمثل ما قام من رحلات ولم يَرَ مثل ما رأى من بلدان ولم يستمع إلى مثل ما استمع من أقوال العلماء، ولم يتفوق عليه في علم الهندسة حتى ولا المهندسون المصريون.» وفي مقدمة الذين استفاد بعلمهم رجل اسمه لوقيبوس يرجح أنه ولد في ملطية ورحل إلى إيليا، وأخذ عن زينون ثم جاء أبديرا وأنشأ فيها مدرسة، وهذا كل ما نعرف عنه، لذلك لا يفرد له مكان في تاريخ الفلسفة، وأرسطو نفسه يقرن اسمه دائمًا باسم ديموقريطس تلميذه وصديقه، ويضيف إليهما مذهبًا واحدًا، وعُرف هذا المذهب في القديم من كتب ديموقريطس، وكانت تؤلف موسوعة كبرى في أسلوب تعليمي تناولت أصناف العلوم والفنون — الأخلاق والطبيعة والنفس والطب والنبات والحيوان والرياضيات والفلك والموسيقى والجغرافيا والزراعة والصنائع — ولم يبقَ لنا منها سوى شذرات متفرقة.
ب – ويلوح أن أصل المذهب محاولة التوفيق بين الإيلية والتجربة، وأن لوقيبوس وديموقريطس كانا مقتنعين من جهة بقول الإيليين: إن الوجود كله ملاء، وإن الحركة ممتنعة بدون خلاء، والخلاء لا وجود، من جهة أخرى بأن الكثرة والحركة لا تنكران، ودلتهما التجربة على